أوقفت السلطات الهندية حركة المرور في وسط العاصمة نيودلهي، اليوم الاثنين، فأغلقت الطرق ومحطات للسكك الحديدية، في محاولةٍ لإعادة النظام بعد أن خاضت الشرطة معارك شديدة مع محتجين أغضبهم حادث اغتصاب فتاة. وأقامت الشرطة حواجز في الطرق المؤدية إلى نصب "بوابة الهند" التذكاري للمحاربين في وسط المدينة، والذي أصبح مركزاً للاحتجاجات التي يمثل طلبة الجامعة أغلب المشاركين فيها. كما أغلقت الكثير من محطات المترو في العاصمة؛ ما أعاق الحركة في أنحاء المدينة التي يسكنها 16 مليوناً. وفي خطابٍ غير معتاد نقله التلفزيون، دعا رئيس الوزراء مانموهان سينج المواطنين إلى الهدوء، بعد الاشتباكات التي نشبت مطلع الأسبوع في نيودلهي وتعهد بمعاقبة المغتصبين على جريمتهم "المروعة". وقال سينج في كلمةٍ للشعب نقلها التلفزيون: "أناشد كل المواطنين المعنيين الحفاظ على السلام والهدوء. أؤكد لكم أننا سنبذل كل الجهود الممكنة لضمان أمن النساء وسلامتهن في هذا البلد". كما تعرّض سينج للانتقاد لأنه التزم الصمت منذ حادث الاغتصاب. وأصدر بياناً للمرة الأولى أمس بعد أسبوع من ارتكاب الجريمة. والتقت سونيا غاندي زعيمة حزب المؤتمر الحاكم بعض المحتجين لسماع مطالبهم. وفُوجئت حكومة سينج - التي عادة ما يتهمها البعض بأنها لا تحس بنبض كثير من الهنود - بعمق الغضب الشعبي مع تصاعد الاحتجاجات وامتدادها لمدن أخرى. وتعتبر الهند واحدة من أخطر أماكن العالم على المرأة. وبدلا من تحدّي الغضب وجدت الحكومة نفسها في موضع دفاعي بسبب استخدامها القوة ضد المحتجين وأغلبهم من الطلبة في العاصمة نيودلهي، وشكاوى من عدم بذلها ما يكفي من جهد لجعل البلاد أكثر أمناً للمرأة. ومنذ حادث الاغتصاب الذي وقع الأسبوع الماضي، وعدت السلطات بتحسين دوريات الشرطة لضمان سلامة النساء أثناء عودتهن من أعمالهن وفي مناطق الترفيه، وتركيب وحدات النظام العالمي لتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية في وسائل النقل العام، وتوفير المزيد من الحافلات ليلاً والإسراع من سير المحاكمات لإصدار أحكامٍ سريعة في قضايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي. وقالت صحيفة "مينت" في مقالٍ افتتاحي: "هذه الحكومة شأنها في هذه القضية شأنها في قضايا أخرى لا فكرة لديها عن تطلعات الهند ومطالب شعبها". وتعرّضت الضحية التي تبلغ من العمر 23 عاما في الهجوم الذي وقع يوم 16 ديسمبر للضرب والاغتصاب لمدة ساعة تقريباً وأُلقيت من حافلةٍ متحركةٍ في نيودلهي. ويقول أطباء إن حالتها ما زالت حرجة وإنها وضعت على جهازٍ للتنفس الصناعي. ومطلع الأسبوع قامت احتجاجاتٌ عنيفة واستخدمت الشرطة الهراوات والغاز المسيل للدموع ومدافع المياه مع المتظاهرين في العاصمة. وهذه الاحتجاجات هي الأكبر في العاصمة الهندية منذ مظاهرات عام 2011 احتجاجاً على الفساد التي هزت الحكومة. كما قامت احتجاجاتٌ في مدنٍ هندية أخرى لكنها كانت أكثر سلمية. وتظهر آراء معلقين سياسيين وخبراء في علم الاجتماع والمحتجين أن هذا الحادث مسّ وتراً لدى الكثير من الهنود بسبب شعورهم بالإحباط مما يعتبرونه إدارة ضعيفة وقيادة متدنية في القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وقالت رانجانا كوماري مديرة مركز الأبحاث الاجتماعية في دلهي: "هناك قدرٌ كبيرٌ من الغضب. الناس تشعر بغضبٍ بالغٍ من أنه رغم وجود عددٍ كبيرٍ جدا من الحوادث فإنها لم تلق رداً كبيراً من الدولة والحكومة". وتشهد نيودلهي أكبر عددٍ من الجرائم الجنسية بين المدن الهندية الرئيسة، إذ يرد بلاغٌ عن وقوع حادث اغتصابٍ كل 18 ساعة في المتوسط طبقاً لأرقام الشرطة. وأظهرت دراسة عالمية أجرتها مؤسسة "تومسون رويترز" في يونيو، أن الهند هي أسوأ مكان في العالم بالنسبة للمرأة بسبب ارتفاع معدلات قتل البنات لدى ولادتهن وزواج الأطفال والعبودية.