أكّدت الدراسة التي أجرتها هيئة الملتقى الإعلامي العربي، أن الإعلام هو إحدى أهم الآليات التي عن طريقها يتم التعاون الجاد والمثمر بين الدول والمجتمعات بشكلٍ عام. وأوضح الأمين العام للهيئة ماضي عبد الله الخميس، الذي ألقى الدراسة "الإعلام العربي والإفريقي: صورة الواحد في إعلام الآخر"، ضمن فعاليات منتدى أصيلة الثقافي، الذي أُقيم في المملكة المغربية هذا الشهر، أن التكنولوجيا الجديدة والقفزات العلمية المتطورة التي شهدها العالم، والإعلام بصفة خاصة، جعلت من "الإعلام" عابراً للحدود المكانية والزمانية أيضا. وقالت الدراسة: "اتسع دوره ليتخطى مسألة كونه موادَّ تُبَث على الشاشة أو في الصحيفة أو عبر الأثير، وأخذ الدور الإعلامي وتأثيره في الاتساع والتزايد حتى أصبحنا لا نستطيع أن نعرّف الإعلام بمعزل عن مصطلح الاتصال، والذي يمثل للإنسان إشباعاً نفسياً لا غنى عنه في المعرفة حيث إن الاتصال يستهدف ذيوع المعلومة وانتشارها وتحصيل الاستفادة منها". وأشارت الدراسة إلى أن العلاقات السياسية بين البلدان تؤثر تأثيراً كبيراً على العلاقة الإعلامية ورؤية أحدهما للآخر إعلامياً. والقارة الإفريقية فيها مناطق ساخنة كثيرة، كما أن تداخل المصالح الذي تشهده دول إفريقيا له أيضا تأثيره في الصورة التي يظهرها الإعلام العربي لإفريقيا ودولها وشعوبها. ونوّهت الدراسة إلى ضرورة أن يتخطى الإعلام والإعلاميون حاجز سيطرة الحكومات على التعاون الإعلامي والحواري مع دول إفريقيا في المقام الأول؛ لأنه عادة ما يتم هذا التعاون بتحريك حكومي، وفي إطار طبيعة المعادلات السياسية التي تؤثر بشكل أو بآخر في قدرات وسائل الإعلام، وذلك يعكس عدم قدرة الإعلام العربي على التحرُّك خارج إطار السيطرة الحكومية، ما يضعف الإعلام ويحدُّ من قدراته الثقافية والاجتماعية والسياسية أيضا، لأن الإعلام يعدُّ إحدى أهم القنوات التي يتم من خلالها نقل ثقافة مجتمع إلى آخر وإحداث نوع من أنواع التقارب الحضاري. إفريقيا والعالم العربي ..علاقة قديمة أكدت الدراسة أن العلاقات العربية الإفريقية مرت بعديد من المراحل التاريخية، وقالت: "فقبل ظهور الإسلام كان المجتمع العربي يزخر ببعض القبائل الإفريقية التي استقرت واندمجت مع المجتمع القبلي العربي قبل ظهور الإسلام عن طريق الولاء والانتماء، وكان الأحباش وهم سكان القرن الإفريقي في الصومال والحبشة وإريتريا، وكذلك الغزو الحبشي لليمن، ساعدا على التداخل بين العرب والأفارقة بشكل أكبر". وتابعت الدراسة الحديث عن تاريخ العلاقة مع ظهور الإسلام حيث ازداد الاتصال العربي الإفريقي، وأمدَّ الإسلامُ الأفارقة بسياج ديني وفكري ساعدهم على بناء وحدتهم الوطنية وتحقيق النهضة الثقافية والفكرية، ومع خروج العرب لنشر الإسلام تمكنوا من نشره في أجزاء كبيرة من القارة الإفريقية في الشمال والغرب والشرق، الأمر الذي أدى إلى حدوث نقلة كبرى في تاريخ العلاقة بين العرب والأفارقة بشكل خاص. ولفتت الدراسة إلى أن القارة الإفريقية مثلت للعرب ملاذاً آمناً في بعض الأحيان؛ للهروب من الاضطهاد الديني مطلع الدعوة الإسلامية، حيث كانت الهجرة إلى الحبشة محطة أساسية في تدعيم هذه العلاقة وتقويتها، كذلك لا يمكننا أن نغفل البُعد التجاري والاقتصادي، حيث مثلت القارة الإفريقية بموانئها المنتشرة بيئة خصبة للتعامل والتبادل التجاري بين العرب والأفارقة، وهذا بُعد قوي آخر ساعد على ازدياد قوة الترابط في هذه العلاقة. وتطرقت الدراسة إلى الآثار السلبية التي خلّفها الاستعمار الغربي في إفريقيا على العلاقة بين العرب والأفارقة بشكل عام، "فقد ظهرت الآثار السلبية على العلاقات العربية الإفريقية عن طريق مشكلة اللا تعريب في جنوب السودان، في إطار ما يُسمى السياسة الجنوبية التي ابتدعتها بريطانيا لفصل الجنوب السوداني وانسلاخه عن الهوية العربية والتأثير العربي، وفصله بالكلية عن شمال السودان ومحاولة تغيير الهوية الثقافية للجنوب". وأضافت الدراسة: "والاستعمار على اختلاف مصادره وأشكاله حاول إضعاف الروابط العربية الإفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في إفريقيا". الصورة الذهنية .. الثقافة ضرورة تأثرت الصورة الإفريقية وفق ما بينته الدراسة في "الإعلام العربي" كثيراً بالأوضاع السياسية المتوترة التي شهدتها ومازالت تشهدها القارة الإفريقية في بعض بلدانها. وقالت: "لا شك أن العلاقة بين الدول العربية ودول إفريقيا السمراء علاقة قديمة ومتشعبة، ولكنها مرتبطة في الإعلام العربي ببعض الجوانب السلبية نوعاً ما، وذلك لعدم توغل الإعلام العربي في إفريقيا والاعتماد على المواد الإعلامية التي تبثها الوكالات الغربية، وهذا ما أشارت إليه وأكدته معظم الدراسات التي أجريت في هذا الصدد". وجاء في نص الدراسة: "لا شك أن من أهم عوامل تكوين تلك الصورة الذهنية هو الإعلام بكل وسائله، فالإعلام آلية ضرورية جداً في عملية التبادل الثقافي والفكري بين المجتمعات، والذي بدوره يساعد على تكوين الصورة الذهنية التي بموجبها تتوطّد العلاقات وتتسع دائرتها بين المجتمعات والشعوب". وكشفت الدراسة عن تشويه صورة إفريقيا لدى الإعلام الغربي معتمداً على جانب واحد وزاوية ضيقة من زوايا الصورة الإعلامية لهذه الشعوب، إضافة إلى أن وكالات الإعلام العالمية الغربية، مثل: "رويترز، الصحافة الفرنسية، أسوشيتدبرس، يونيتدبرس" تكرّس أكثر من 70 % من أنبائها لأحداث شمال العالم، بينما تخصص 1.8 % فقط من أنبائها لأحداث إفريقيا. كما أن 80 % من الأخبار والمعلومات الواردة عن إفريقيا تأتي من الوكالات الإعلامية العالمية الكبرى، بحيث تركز تلك الأخبار والمعلومات على الحروب والأوضاع السياسية المتقلبة والكوارث والمجاعات والانقلابات والفوضى، وكلها أخبار ومعلومات "سلبية جداً" وفق الدراسة. وقالت الدراسة: "تلك هي أبرز مشكلات الإعلام العربي تجاه القارة الإفريقية، وهي الاعتماد على الوكالات الإعلامية الغربية التي لا ترى من الصورة غير الجوانب السلبية والمصلحة الخاصة فقط، دون النظر إلى ما يمكن أخذه في الحسبان حول عملية التبادل الثقافي والاندماج الحضاري مع الشعوب الإفريقية، اللهم إلا القليل النادر من الإعلام الغربي الذي يحاول أن يفتش في العادات والتقاليد الخاصة بالشعوب الإفريقية". وأكدت الدراسة ضرورة أن يتخطى الإعلام العربي هذا الحاجز، وأن يعبر بآلته الإعلامية إلى الدول الإفريقية، وأن يحاول الاقتراب من شعوبها والتعرُّف على العادات والتقاليد والميراث الحضاري لهذه الشعوب، إذا كنا نريد فعلاً أن يحدث تقاربٌ، أن ننقل صورة قريبة من الحقيقة قدر الإمكان. أرقام وحقائق ونوّهت الدراسة إلى بعض الأرقام التي توضح عددا من الحقائق المتعلقة بأوضاع الإعلام الخاص بإفريقيا وبالمتلقي في دول إفريقيا، حيث أثبتت الدراسات أن 83 % من الأفارقة يستمعون للإذاعات العالمية بينما 17 % منهم لا يستمعون إليها، وأن 31 % ممن يستمعون للإذاعات العالمية يضعون الإذاعة في المرتبة الأولى لأهم الوسائل التي يعتمدون عليها في استقاء معلوماتهم الثقافية والسياسية، وأن 33 % منهم يكوّنون معلوماتهم عن الدول الإفريقية المجاورة لهم من الإذاعات العالمية، وأن 69 % من الأفارقة يشاهدون قنوات تلفزيونية فضائية، وأن 50 % منهم يعتمدون على التلفزيون في المرتبة الأولى من بين وسائل الإعلام؛ للحصول على معلوماتهم الثقافية والسياسية، وأن نسبة 13 % لا يشاهدون فضائيات عالمية، وأن 33 % من الأفارقة يقرؤون الصحف (جرائد ومجلات) بانتظام، و8 % منهم يعتمدون على الصحف في المرتبة الأولى، بينما 67 % لا يقرؤون الصحف العالمية. كما أثبتت الدراسات أن 8 % فقط من الأفارقة يعتمدون على شبكة المعلومات (الإنترنت) في الحصول على معلوماتهم، بينما 4 % من الأفارقة يعتمدون على الكتب في استقاء معلوماتهم السياسية والثقافية. وبناءً على تلك الأرقام رتبت "الدراسة" وسائل الإعلام حسب الأكثر شعبية وتأثيراً لدى الأفارقة في الحصول على المعلومات على النحو الآتي: القنوات الفضائية والتلفزيون: 50 % الراديو: 31 % الصحف والمجلات: 8 % الإنترنت: 8 % الكتب: 4% ويتضح من تلك الأرقام وهذا الترتيب، أن التلفزيون يحتل المرتبة الأولى بين وسائل الإعلام الأكثر تأثيراً وشعبية في الشعوب الإفريقية، ويليه الإذاعة مباشرة، وعليه يجب النظر إلى تلك الأرقام إذا أردنا كإعلام عربي أن يكون لنا تأثير ووجود في الساحة الإفريقية. عقبات في الطريق وخلصت الدراسة إلى طرح مجموعة من العقبات، أهمها: أولاً: لعل من أهم العقبات التي تواجه مسألة التعاون الإعلامي والثقافي والاقتصادي أيضا بين دول إفريقيا ودول العالم العربي، أن هذه العلاقات تحكمها بالدرجة الأولى العلاقات السياسية ومعادلات المصالح المشتركة. ثانياً: نقص الكوادر المدربة والمتخصصة في مجال الإعلام، خصوصا القادرين على العمل في إفريقيا، وتقف اللغة كذلك بمنزلة إحدى أهم العقبات. ثالثاً: سيطرة وكالات الأنباء الغربية على الإعلام الإفريقي، واعتماد وسائل الإعلام الإفريقية والعربية بشكل شبه كامل على وسائل الإعلام الغربية في الحصول على المعلومة والخبر فيما يخص إفريقيا وشعوبها. رابعاً: سيطرة الشركات الأجنبية على وكالات الإعلان الإفريقية، الأمر الذي يضيق مساحة العمل الإعلاني والدعائي للشركات العربية ووكالات إعلانها. خامساً: سيطرة الحكومات والأحزاب السياسية في إفريقيا على الصحافة الإفريقية، ما يجعلها غير محايدة في أغلب الأحيان. سادساً: القوانين المنظمة لحرية الصحافة والإعلام وتقييدها للعمل الإعلامي والصحفي في إفريقيا تُعد من العقبات التي تحول دون وجود بيئة عمل جاذبة للإعلام العربي داخل المجتمعات الإفريقية السمراء.