لم يكن جديدا ولا مستغربا تلك النقاشات المشتعلة في الفضاء الإلكتروني بشأن بنود تخفيض البدلات والمكافآت، وبالطبع لم تتركها فضائيات كثيرة عربية وغيرها، بعضها يقدم تحليلات وقراءة جادة وموضوعية تضع الحقائق في موضعها وبحجمها، وفي سياق تجارب الدول غنيها قبل فقيرها في مواجهة التحديات والأزمات، بينما إعلام آخر ينفث سموما وتضليلا مفضوحا. الزمن لا يتوقف عند قرارات آنية عارضة طبيعية وضرورية، ضمن حزمة تفعيل إصلاحات، لوضع أسس صحيحة لبرنامج التحول الوطنية نحو رؤية 2030 الطموحة لتنويع مصادر الدخل الوطني. كما أن القرارات ليست مفاجئة ولا المملكة أول دولة تتخذ إجراءات ترشيد وتصحيح هيكلي لتجاوز أزمة طارئة. أولا الحكومة بدأت بنفسها وبكبار مسؤوليها وفي مقدمتهم الوزراء ومن في حكم درجتهم وأعضاء الشورى، كما أن الدولة لم تبخل على التنمية ولا على المواطن ولا بالمساعدات الإنسانية الخارجية، بما أفاء الله عليها من خيرات، وظلت الميزانيات العامة ملبية لأهداف طموحة حتى مع وجود عجز في حدود مقبولة، قبل أن تفقد نصف مواردها بتدهور أسعار البترول إلى النصف تقريبا، ولهذا كانت خطة التحول الوطني والرؤية 20-30 التي تستلزم خطوات إصلاحية جريئة وأخرى طموحة. المشكلة كانت دائما في ثغرات توظيف الاعتمادات، فكم من مشروعات تعثرت واعتمادات لمشاريع لم تتحقق وعادت إلى وزارة المالية بسبب بيروقراطية وتراخي أجهزة تنفيذية، وهدر مالي في الإنفاق ببعض الأجهزة أشارت إليها مرارا تقارير المراقبة العامة في سنوات خلت وهو ما استوجب إصلاحا وتصويبا. الحمد لله بلادنا مستورة ولا يحتمل الأمر لأي شطط وجدال عقيم وانطباعات مجردة من المعرفة أو محاولة للفهم الجاد، وفي أجواء كهذه يجدها مغرضون ومضللون وجهلاء فرصة لبث إشاعات تستهدف إضعاف معنويات المجتمع، مع أن كلا منا يتعرض لأزمات و(زنقات) مادية شخصية وأسرية تفرض تدابير. القرارات الأخيرة تتعلق بالإنفاق كخطوة علاجية للترشيد، وعلينا أن نراها بمنظور أوسع وأعمق هو مصلحة الوطن في هذه المرحلة التي نتفهم أسبابها وظروفها وأحداث إقليمية تستهدف بلادنا اليوم وغدا ولا مجال فيها للمزايدة، مهما حاول البعض التمنطق بكلمات وتفسيرات قاصرة وجانحة أو مغرضة. صحيح أن شرائح واسعة من الموظفين بالحكومة نظموا حياتهم على قيمة البدلات والمكافآت لسداد أقساط والتزامات وتحسين دخل، لذا يحتاج الأمر في هذه المرحلة إلى جهود موازية تجاه الشرائح المتوسطة، ومن ذلك حلحلة الإيجارات المرتفعة وإعادة جدولة سداد القروض البنكية وتحسين الخدمات وغير ذلك. القطاع الخاص لا يزال في واد وظروف المجتمع في واد آخر، فهو يقود قاطرة الغلاء في السلع والخدمات مما أضعف شرائح كبيرة، والبنوك عندما تضخمت السيولة لديها في زمن الوفرة، أطلقت مندوبيها يجوبون المؤسسات،، وصرفوا قروضا وأفرطوا في بطاقات ائتمانية تأكل الأخضر واليابس ولا تشبع من الحسومات وكأنها تشرب الماء المالح، بينما الدولة لم تبخل في الرخاء، وعلى المواطن ألا يقلق من شدة، وأن نتفهم متغيرات أوجعت البشرية بأزمات، وبلادنا تسير بخطوات جادة لمستقبل أكثر استقرارا للاقتصاد وللأجيال. اتركوا عنكم اللغط واللغو واحذروا الشائعات، المهم أن نرى الحقيقة بضمير وطني، نتحمل ونعمل بإخلاص وننتج، ونعظّم أخلاق العمل والحياة ونعزز الترابط، فموارد فقدتها الدولة ومزايا فقدها موظفون لا يعني دوام هكذا حال، فلا أسعار النفط ستظل على انخفاضها ولا الاعتماد عليه سيبقى في المدى المنظور، والطريق واضح وبلادنا لديها مقومات الاستقرار الاقتصادي وسيقوى بإذن الله. [email protected]