البخل التربوي حالة تعكس اليأس من إصلاح التعليم أم أزمة تلوح بالحلول ؟! تنفق الدولة على التعليم بسخاء ، وترصد المليارات سنويا من أجل التربية والتعليم ، ولا يمكن إنكار تحمل الدولة لمجانية التعليم ، حتى في حالة خصخصة التعليم ، ستدفع الدولة التمويل المالي من ميزانياتها بنظام الكوبونات \" مبلغ وقدرة عن كل طالب لشركات مشغلة \" ، وآخر ما تم رصده للتعليم ، مشروع تطوير التعليم ، فالمبلغ المرصود تسعة مليارات ، وفي بعض الأخبار أنه قابل للزيادة ، وفي المقابل هناك بخل تربوي ، والعنونة بالبخل التربوي ، للإشارة لبعض الحالات ، وإلا لا يمكن إنكار الإنفاق الكريم على التعليم ، وربما يتحفظ البعض على كلمة \" البخل التربوي \" ولكي تصل الرسالة بشأن الأزمات التي مرت بالتربية والتعليم ، استخدمت هذا العنوان ، ومع مرور الوقت أتوقع زيادة في حالات البخل التربوي ، إذا لم نصل للحلول العاجلة والدقيقة في مجال الإنفاق التربوي ، والبخل ليس شر كله وليس خير كله . الوزارة تمسك بزمام تفريغ المعلمين ، لئلا تزيد على أعداد المعلمين ، خوفا من زيادة أعباء ميزانية التعليم ، وأقرب مثال قرار زيادة عدد المشرفين ، ثم التراجع عن ذلك ، والباعث لهذا التصرف ، لن يكون مربوطا بتصرف وزارة التربية فحسب ، بل المشورة والواقع ، يتعلق بقرار وزارة المالية بالدرجة الأولى ، مرورا بوزارة الخدمة المدنية ، وتشكر الوزارات الثلاثة على جهودها ، من أجل تحقيق تطلعات ولي الأمر ، والسؤال : هل المصلحة في تجفيف منابع الوظائف التعليمية أم في ترشيد توزيع شاغلي الوظائف التعليمية ؟! لعل الهزات التربوية التي طالت الميدان التربوي في السنوات الأخيرة ، حالة تعكس الرغبة الصادقة في وضع العربة أمام الحصان ، ولا يمكن لي إنكار دور الوزارة في الحد ، من الأعباء المالية على ميزانيتها ، ولا إدعاء خفض الإنفاق بدون سبب ، ولكن لي حق المشاركة في تناول الهموم ، بعبارات تقرب وجهات النظر ، بالتلميح والتصريح وصولا لحلول المشاكل المالية . البخل التربوي أنواع وليس نوعا واحدا ، ومن تلك الأنواع ، ما يتعلق بوقف التميز التربوي على مستوى العمل ، فالبعض يحافظ على القدر الذي يجعله محل الحاجة ، ومميز لا يريد أن يعمل لغياب الحوافز ، ومميز يبخل بتميزه لحاجة في نفسه ونفس من حوله ، وربما هناك ما هو أكبر من هذه الحالة أو تلك ، ومهما كانت الأوضاع ، ومهما سمعنا أو قرأنا عن المشاريع التربوية ، فإنها تظل أمام عقبة البخل التربوي ، وفي حال التريث الطويل والممل ، يظل الميدان التربوي في حالة عطش ، لكل المجددين ، العابرين إلى مسرح الترشيد التربوي بحكمة ودراية تامتين ، والترشيد التربوي في الإنفاق على التعليم ، ليس بحاجة لتصرفات تحوله لبخل ثقيل على الإرادة التربوية ، ولا لتصرفات تؤثر على العملية التعليمية والتربوية ، بل هو بحاجة للمخلصين للتربية والتعليم بالدرجة الأولى ، وبحاجة للحكيم التربوي بالدرجة الأولى أيضا ، وعلى جميع المهتمين أن يتذكروا جيدا ، أن البخل التربوي ، بجانب غياب الترشيد والتدبير المثالي للنفقات ، قاد إلى وضع المستويات الأقل ، والأيام حبلى بما هو أكثر من ذلك ، إذا ظل التفكير داخل الدائرة القديمة ، بشأن تدبير حاجات الميدان التربوي ، والأولى أن يعرف الجميع أن هناك بخل وسبب . أحد تجار التربية ، كتب مقالا بشأن المفرغين لإدارة المدارس الأهلية ، ولفت الانتباه ، بأن تفكير وزارة التربية والتعليم بمنع التفريغ ، من شأنه خلق المشاكل الإدارية داخل المدارس الأهلية ، وفي المقابل يؤكد الكاتب على ضرورة التفريغ ، وفي المقابل يعرض بشأن المعلمين الذين يعملون بالمناطق النائية ،لأنهم يدرسون طلابا أقل عددا ، والدعوى قائمة بأن تكلفة تعليم الطالب في القرى كبيرة ، وعرضه من أجل الوصول إلى تأييد الرأي ، بخيار خصخصة تعليم المناطق النائية تحديدا ، للتخفيف على ميزانية الوزارة ، والسؤال هنا : هل يتوافق \" البخل التربوي \" مع حالة مطالبة الوزارة بستين ألف ريال سنويا عن كل طالب، في المناطق النائية ، مقابل إدارة تلك المدارس بعقود التمويل من الدولة ؟ ومن رحم سؤالي الأخير هناك جواب عام : سيظل البخل التربوي ماثلا ، وسيظل منتظر النفع أيا كان موقعه في حالة حيرة ، هل تتنازل وزارة المالية عن البخل على التربية ، أم تسير مع الرأي المعاكس أم مع مصلحة الميزانية الشكلية أو مع مصلحة الميزانية الحقيقة ؟! الحلول الناجحة ، لحالة البخل التربوي كثيرة وستقنع المخلص ، ولكنها غائبة عن الطرح ، وإن وجدت لم تسلم من العيوب ، وإذا تغلب الجشع على البخل التربوي ، فلن يدوم مهما كانت الأوضاع ، ومن يبخل على التربية والتعليم ، فإنما يبخل على الوطن والمواطن ، فالمبنى غير المكلف ، يكلف وزارة المالية من جهة أخرى ، فالأتربة والغبار ، في ساحات المدارس المفتوحة ، والمدارس غير المكيفة بالكامل أو الفقيرة للتهوية الصحية ، يضر بالطلاب والمعلمين صحيا ، وينتج عنه إنفاق وزارة الصحة على صحة الطالب والمعلم مستقبلا ، وتسبب المبنى غير المكلف ، بزيادة عدد العمال ، لتنظيف المدارس ، وتلف الوسائل التعليمية ، ويحرم الطلاب في حالات الطقس \" البرد المطر الحر الغبار \" من التمتع بوقت راحتهم ، ويؤثر على مزاولة الأنشطة الطلابية داخل المدرسة ، مما ينعكس سلبا على العملية التربوية والتعليمية ، وعلى ميزانية الدولة من جهات أخرى ، فمن لا يجد الأنشطة المثالية والتعليم المميز ، ربما يتسرب من الدراسة ، وربما تمتلئ السجون والمصحات والمستشفيات من هؤلاء ، وكل ذلك إنفاق من الميزانية مستقبلا وحاضرا أيضا ، وبات من الضروري أن ترفع وزارة التربية والتعليم شعار \" معا لترشيد الإنفاق التربوي \" والترشيد لا يعني البخل ، وفي ظل وجود التقنية الحديثة ، فالترشيد والتدبير التربوي سهل وفي متناول اليد ، ومن هنا فالدعوة جادة ، للتفكير في عقد مؤتمر أو لقاء تحت عنوان \" البخل والترشيد التربوي الواقع والحلول \" بل الدعوة جادة ، لتحريك البحوث التربوية ، من أجل الوصول إلى أساليب خاصة بالتربية السعودية لترشيدها بحكمة ودراية ، ويبقى السؤال : البخل التربوي حالة تعكس اليأس من إصلاح التعليم ، أم أزمة تلوح بالحلول الناجحة ؟! شاكر بن صالح السليم