منذ انطلاق مرحلة انطلاق الرسالة المحمدية قبل 1450 عاماً تقريباً ثم مرحلة الخلافة الراشدة التي تبعت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى انتقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة من المدينة إلى الكوفة، لم تشهد بعدها في رأي الكثير من المؤرخين الجزيرة العربية بمجموعها حدثاً أكبر من الانتقال إلى فكرة الدولة الموحدة بدلا ًمن البقاء على فكرة القبيلة أو الإقليم التي تغلغلت فيها لأكثر من ألف عام.. وبالرغم من التاريخ الغني الذي زخرت به الأرض منذ آلاف السنين، وكونها مهد الإسلام واللسان العربي المبين، إضافة للحضارات التي سادت ثم بادت في أنحاء من الجزيرة العربية، إلا أنها لم تعرف مفهوم الدولة الموحدة ذات القيادة المركزية على أرضها إلا قبل 86 عاماً عندما أتم الملك عبدالعزيز رحمه الله مشروعه الوحدوي الكبير في التحول إلى مفهوم الدولة في الجزيرة العربية ولم شتاتها بعد أن عاشت سياسياً كهامش تاريخي لا يتذكره الناس إلا عندما تهفوا قلوبهم لزيارة الحرمين الشريفين وحج بيته العتيق في رحلة يعد الناجي من أخطارها مولوداً بعمر جديد..!! ربما كانت المملكة العربية السعودية المكان الأصعب على وجه الكرة الأرضية الذي يمكن أن تقام فيه دولة لأن عوامل التاريخ والجغرافيا معاكسة لاتجاه بنائها على مر السنين !! فضلا عن أن سكانها لم يعرفوا لتلك الممارسة سبيلاً أو يتوارثوها عبر أجدادهم !! حيث شكل كبرياء أهلها وطبيعتهم وعدم انقيادهم لأقرب الأقربين إلى جانب جغرافيتها القاسية السياج الذي زهد أهلها والطامعين من غيرهم في محاولة بناء أي مشروع لدولة مستقرة موحدة على معظم أرجائها تتجاوز نعرة القبيلة وضيق أفق الإقليم !! ولذلك ظلت الجزيرة العربية الرحم الذي يلد الشجعان والمغامرين باتجاه الجهات الأربع حولها ليبنوا دولاً وحضارات وينشئوا أمصاراً دون أن يكون للأم الولودة نصيب مما صنعته أجيالها..!! إن الميزة الكبرى التي ميزت الملك المؤسس يرحمه الله عن غيره من مجايليه ومنافسيه داخل وخارج الوطن هو أنه رحمه الله كانت لديه فكرة الدولة صافية واضحة في ذهنه وهو ما ظهر في كثير من المواقف الصعبة التي تجاوزها بحنكة السياسي الذي لا يظل رهينة خيارات تكتيكية تشغله عن هدفه الأسمى !! السعوديون بدورهم بعد أن جربوا مشروع الدولة والوحدة منذ عهد الملك عبدالعزيز المغفور له بإذن الله تعالى، أدركوا ويدركون أن أكبر مكتسب تاريخي يتمتعون به هو مفهوم الدولة التي تذوقوا ثمرتها ولن يتنازلوا عن مفهومها أبداً مهما كانت المغريات والأحلام هذا الوعي الكبير بمنجز الدولة على هذه الأرض، وأن تشييدها والحفاظ عليها وتطويرها وصيانة حدودها بأغلى ما يملكون هو الأساس الذي تكسرت وستتكسر عليه كل المؤامرات التي أحاط وتحيط ببلادنا منذ تأسيسها..!! [email protected]