لا يختلف أحد من المؤرخين والباحثين في تاريخ الجزيرة العربية وعلى مر العصور أنها كانت تعتبر إلى عهد قريب في مقدمة المناطق في العالم الأقل موارد ومصادر للحياة والأكثر طرداً للسكان منذ فجر التاريخ، وهو ما أوجد هجرات متتالية من سكان الجزيرة العربية واستيطانهم في مناطق أكثر مقومات للحياة وتستوعب تلك الهجرات البشرية. ولعل تلك الظروف هي التي من تسببت في إبعاد الجزيرة العربية ومنعها من أن تكون من أحد عواصم القرار والنفوذ السياسي منذ انتهاء حقبة الخلافة الراشدة وانتقال عاصمة الدولة الإسلامية من المدينةالمنورة إلى الكوفة، ولم تشفع لها مكانتها الدينية لدى المسلمين لوجود مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة فيها، بأن يكون لها دور مؤثر في قضايا العالمين العربي والإسلامي. ولم تتمكن الجزيرة العربية خلال القرون السالفة بسبب تلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية من أن تكون من مناطق الجذب السكاني ولا أن تلملم أطرافها حول دولة مركزية ينضوي تحتها أبناؤها، فقلة الموارد وانعدام الأمن يجعل ذلك من رابع المستحيلات، وكلما قامت محاولة لذلك تفشل وتدب الصراعات والنزاعات من جديد على الموارد القليلة أصلا بين الأطراف المتناحرة للاستحواذ عليها، التي قد لا تكون أحياناً أكثر من بئر للماء، فالاستيلاء على بئر ماء قد يكون سبباً للصراع والفناء بين المتصارعين بسبب قلة الموارد المائية وانعدامها في بعض الأحيان بين مساحات شاسعة من كثبان الرمال. وعوامل الصراع كانت أكثر من عوامل الاتفاق، فسنة جفاف واحدة كفيلة بالقضاء على مجتمع كامل أو نزوحه إلى بلاد أخرى، فلذلك كان توحيد هذه البلاد وقيام دولة بالمفهوم الحديث تجمع الناس حولها ضرباً من المستحيل وبعيد المنال لولا فضل الله ورحمته بالبلاد والعباد، وقيام الملك المؤسس والبطل الهمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – بتوحيد القرى والأقاليم وتوحيد القبائل تحت راية التوحيد، ليعلن بعد سنوات طوال من الكفاح والعمل الجاد والمضني توحيد البلاد تحت اسم «المملكة العربية السعودية»، وذلك ابتداء من 23 سبتمبر 1932م. ونحن نحتفل بالذكرى السنوية لقيام المملكة العربية السعودية فلا نملك إلا الدعاء لصقر الجزيرة، وندعو من يعيش على أرضها وينعم من خيراتها من أبناء المملكة وبناتها والمقيمين على أرضها بأن لا ينسوه من حسن دعائهم، فرحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي أعاد للجزيرة العربية هيبتها ووحدتها بعد الشتات ليؤسس هذا الكيان الذي أفنى عمره مع رجاله المخلصين من أبناء المملكة ليقيموا وحدة حقيقية على أرض الواقع تحوي جميع قرى وأقاليم المملكة العربية السعودية في زمن الانقسامات، ويُرسوا قواعد الأمن بعد الخوف وينسجوا البطولات، ونهنئ باني نهضتها الحديثة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – وولي عهده الأمين، وولي ولي العهد، وبقية الأسرة المالكة، والشعب السعودي الكريم، باليوم الوطني المجيد.