ليس من حقّ أحدٍ أن يتحكم بالمرافق العامة، لأنها مشاعة للجميع، يتشاركون في ملكيتها والانتفاع بها، وفيها يتنازل مجموع الأفراد عن أجزاء من حرياتهم، بغية الحفاظ على حقوق الكل، في التمتع بالمرفق أو المكان. وضوابط الأمكنة ليست متشابهة، فلو أن سائحاً نزل بلباسه الذي يرتديه في بركة السباحة إلى قسم الاستقبال في الفندق لنظر الناس إليه شزراً، ولربما وبخوه. قاعة الجامعة لها أحكام في الملبس تختلف عن أماكن التنزه أو السباحة، والخطبة التي تلقى في المسجد ليس مكانها الحديقة، وأنت في سيارتك غيرك في الطائرة، هناك حدود للخيارات، طبقاً لاختلاف المكان، وتغيّره، وطبيعة قوانينه وضوابطه. فليس من حقّك أن تلقي قصيدةً عصماء بصوتٍ عالٍ في الطائرة، بينما يمكنك فعل ذلك مع الأصدقاء في البرّية. تدمير جهاز لأنه لم يعجبك، أو تمزيق سماعة لأنها بثت ما يغضبك، كل ذلك ليس من وظائفك. هناك جهات تستطيع أن تتعامل مع التصرفات التي تتعارض مع النظام العام، ولو أن كل إنسان أصبح مندوباً عن الهيئة، أو المرور، أو الدفاع المدني، أو الحماية الفطرية، لصارت الدنيا فوضى! إذا لم يعجبك سلوك ما، فمن المواطنة أن تشتكي هذا السلوك للجهة المسؤولة. ولو أن كل شخص قام إلى ما لا يحبه فأبطله، لسادت شريعة الغاب! تحكيم الذوق الشخصي على المجتمع ينتج الكوارث، وما أجمل ما قاله الشاعر العربي المتقدم: لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ ولا سَراةَ إذا جُهالُهُمْ سادُوا