يتردد كثيرا أن الساحة الشعبية تمتلك ذاكرة «منخلية» سرعان ما يتسرب منها المبدعون ليستقروا في عالم النسيان، ولكن هذه المقولة تتبدد أمام الكثير من المميزين الذين قدموا الكثير في عالم الشعر والإعلام ومنهم الشاعر والإعلامي الكويتي ناصر السبيعي. «صانع النجوم» كما يلقبه الإعلام الشعبي، فتح ل «عكاظ» قلبه في حوار مثير، نبش من خلاله الكثير من الملفات المسكوت عنها، وتحدث بألم عن جحود بعض نجوم الساحة الذين ساهم في صناعتهم إعلاميا، ووجه من خلال الحوار رسائل لثمانية شعراء بارزين. وكشف السبيعي علاقة مجلة المختلف التي يملكها بالشاعر سعد بن جدلان -يرحمه الله- كما كشف سر فشل قناة المختلف الفضائية، وأسباب اختفاء الكثير من الشاعرات اللاتي تصدرن أغلفة المجلات في يوم ما. وتطرق السبيعي إلى الإعلام الجديد، لافتا إلى أنه لم يفرز شاعرا واحدا بحجم النجوم السابقين. وإلى نص الحوار: • ناصر السبيعي بعد مرحلة حافلة بالشعر وصناعة النجوم.. أين ذهب؟ •• أين ذهب الجميع؟! أين ذهب الشعر؟! لست وحدي يا صديقي الكل يرقب من بعيد إلا بعض المحاولات التي تتم على استحياء، لم تعد هناك صورة مكتملة للشعر على امتداد الساحة، فالشعراء يتواجدون ويكتب بعضهم عن كل شيء سوى الشعر، وأغلبهم انضم إلى رابطة مشجعي الأندية وترك كتابة قصائده، لقد أنصف الإعلام الجديد كل شيء سوى الشعر، نجد أنه قد أفرز بعض الأسماء الجديدة لكنها سرعان ما تذوب في أمواجه الهادرة، نحن ما زلنا نرقب كيف نتواءم معه وكيف نستفيد منه دون أن نذوب فيه. • ولكن كثيرا من نجوم الشعر ركبوا موجة الإعلام الجديد وبعضهم ظهر للجمهور بوجه مختلف.. كيف تفسر ذلك، وما هو رأيك في طريقة تواصل نجوم الشعر المعروفين مع جمهورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ •• البعض يتواجد بتاريخه ويجتر لمعانه ولكنه ما زال يراوح في مكانه، والبعض الآخر يتباهى بأرقام متابعيه أكثر مما يتباهى بما يقدم ويحرص على تصوير إكسسواراته أكثر مما يهتم بأدواته الشعرية، أعطني قصيدة واحدة في وسائل التواصل تناولها الناس أو وقف عندها الجمهور ورددها، في السابق كان الجميع يدور حول الشعر وإعلامه وشعرائه، ولكن في فضاء التواصل الاجتماعي مرت سنوات وسنوات ولم يفرز الإعلام الجديد شاعرا واحدا بحجم النجوم السابقين، فماذا تسمى ذلك. • ماذا ينقص الساحة الآن؟ وهل لديكم مشاريع جديدة للنهوض بساحة الشعر وإعادتها إلى مرحلتها الذهبية؟ •• ما ينقص الساحة الآن هو أن تجمع شتاتها وأن تكون كتابة القصيدة في مقدمة أولوياتها، وأن لا تنجرف نحو جمهور مجهول بل إن تحدد جمهورها الذي يحفزها للأفضل، لا إلى ذلك الذي يملي عليها شروطه، ما ينقص الساحة هو أن يعود إليها فرسانها، فساحة بلا بدر بن عبد المحسن ليست بخير. وفيما يخص المشاريع الجديدة، فإن لنا مشاريعنا المستقبلية، ولكن أعتقد أن هذا السيل الجارف يحتاج إلى الكثير من الجهد حتى تعود الأمور إلى المسار الحقيقي للشعر ولنا ولغيرنا. • نعود إلى عصر توهج الإعلام الشعبي، وتحديدا مجلة المختلف التي ساهمت في صناعة الكثير من نجوم الساحة.. هل كنتم بصراحة تعتبرون صناعة النجم نجاحا لمطبوعتكم وما هي المعايير التي تعتمدون عليها؟ •• نعم صنعنا النجوم التي صنعتنا، ونجاحنا كان مرهونا بما نقدمه، وكلما قدمنا نجما جديدا كلما زدنا ألقا ولمعانا، ولكن لم يكن النجوم وحدهم من ساهم في نجاحنا فقط، بل إننا كنا نملك رؤية في تقديم موروثنا وإعلامنا وإرغام الجميع على احترامه، خصوصا أن بعض الجهات الثقافية والمثقفين كانوا ينظرون إلى الشعر الشعبي بدونية وكانوا يتعالون عليه، ولكنه أجبرهم على احترامه بل وعلى التسابق للتواجد في ساحته المثيرة. • هل جميع النجوم الذين صدرهم ناصر السبيعي إلى الساحة الشعبية، شعراء حقيقيين؟ •• بصراحة سؤال استوقفني، هل فعلا جميع من قدمت يعتبرون شعراء حقيقين، أعتقد أن أغلب من قدمت يعدون من الشعراء الحقيقيين ويبقى الجمهور والوقت كفيلين بتأكيد ذلك، وتستطيع الآن أن ترى ثباتهم وتواجدهم هنا وهناك، بعد كل هذا الوقت، فهم من يشير لهم الجميع بالبنان في عالم الشعر، ولو نظرت من حولك يا صديقي ستراهم ما زالوا يتلألأون كشاهد حقيقي على ما قدمناه. • ولكن هناك نجوماً من ورق ذهبوا مع الريح، وخصوصا شاعرات المختلف.. ما تعليقك؟ •• الشاعرة عمرها قصير لأسباب عديدة أهمها القيود الاجتماعية، وتجربتها ينقصها الكثير رغما عنها، فهي حبيسة نفسها ولا تستطيع أن تحتك بتجارب غيرها من الشعراء وتستفيد مثلما يستفيد الشاعر، لذا نجدهن ينحصرن بين أسماء مستعارة أو أسماء معروفة بموهبة أقل، ولذلك لا تستطيع الشاعرة أن تعمر طويلا باستثناء بعض الشاعرات المميزات مثل «عابرة سبيل» يرحمها الله، فما زال الناس يتذكرونها ويرددون قصائدها. • بكل صراحة وشفافية.. من من النجوم خذل ناصر السبيعي على المستويين الشخصي والشعري؟ •• أغلبهم ودون ذكر أسماء، لقد أنصفني هذا السؤال بقدر ما أوجعني، كما أنه أعادني إلى سؤالك السابق «هل كل من قدمنا شعراء حقيقيين» كيف يكون شاعرا حقيقيا وهو يتمتع بكل هذا الجحود! هل يجتمع الشعر وعدم الوفاء؟! بصراحة كانت العلاقة صادمة مع بعضهم ممن كنا نعتقد أنه أقرب إلينا من إي أحد آخر، واكتشفنا مع الأيام أنه أبعد ما يكون وكأننا لم نعرفه يوما ما، كما أن أوقحهم هو ذلك الذي ما زال يمارس دور الوفاء مع الجميع ويمارس الجحود معنا بكل بجاحة، وأنا هنا لا أعمم فهناك من ما زالوا يصافحوننا بكل وفاء واحترام، ولكن الغالبية وللأسف كانت ترتدي أقنعة ولكنها أقنعة مهترئة سرعان ما عرتهم الأيام واحدا تلو الآخر. المفارقة الأجمل أن البعض من الذين قصرنا معهم دون قصد، كانوا أكثر وفاء من مدعي الأخوة والصداقة. أتدري لماذا أعطانا البعض أقل من حقنا الآن؟ ربما لأننا أعطيناه أكثر من حقه يوما ما. • احتفت المختلف بالشاعر سعد بن جدلان -يرحمه الله- واستطاعت الوصول له رغم وجوده في منطقة نائية شمال مدينة بيشة.. حدثنا عن بدايات التواصل معه وعن تجربته مع النشر في المختلف؟ •• سعد بن جدلان -رحمه الله وغفر له- كان شاعرا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولم يتبدل يوما إلا للأفضل، فكلما ارتفع ازداد تواضعا، كان يتواصل مع الجميع بلا تخطيط، واستمر تواصله معنا إلى آخر لحظة، ووجهت له الدعوة للمشاركة في أمسية شعرية قبل سنة في الكويت ولم يتردد أو يتحفظ، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له بعدد ما حبب فيه خلقه، فهو محبوب من الجميع. وفي بداية التواصل معه كان ذلك عن طريق الزميل والصديق منصور الحربي الذي كان له دور كبير في تواصلنا مع العديد من الشعراء وعلى رأسهم سعد بن جدلان. • كنتم تسعون في بعض الأحيان إلى صناعة ثنائيات من خلال مطبوعتكم ومنها ثنائية مساعد الرشيدي ونايف صقر وكذلك هلال المطيري ورشيد الدهام وغيرهم.. ما هو الهدف من هذه الثنائيات وكيف تكونت؟ •• هي طريقة لم نتعمدها وإن كنا قد ارتضيناها، لأننا وجدنا أنها تبقي على تسابق الشعراء لتقديم الأفضل، لكن الأهم من ذلك هو علاقة الشعراء ببعضهم البعض، فقد كانوا مثل الإخوة، ومثل هذه الثنائيات أثبتت ناجحها في كافة المجالات الرياضية والفنية وغيرها. • نجحت المختلف ورقيا وفشلت تلفزيونيا.. ما هي الأسباب؟ •• تلفزيونيا لم تفشل لكننا فشلنا في إيجاد الدعم اللازم للقناة، وأصبحنا بين خيارين الأول أن نجعلها قناة أعراس وحفلات ونضحي بكل تاريخنا، وهذا سيكون على حساب الشعر، والخيار الثاني أن ننسحب حتى نحصل على الدعم المناسب إن كان هناك دعم وقد اخترنا الانسحاب. • تقاسم الإعلام السعودي والكويتي، نجومية الساحة الشعبية في الثمانينات والتسعينات، ولكن الإعلام الإماراتي في الآونة الأخيرة اكتسح الجميع.. هل ترى ذلك؟ وما هي مقومات النجاح لديهم؟ •• بكل تأكيد فاهتمام الإمارات بالشعر يأتي من رأس الهرم، كيف لا ينجح الشعر في الإمارات وفارسا الشعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وصاحب السمو الشيخ حمدان بن محمد يدعمانه بسخاء ويكرمان شعرائه بلا حدود، فالشاعر والشعر بكل تاريخه لم يحض بمثل هذا الدعم السخي، وكيف لا ينجح الشعر وسمو الشيخ محمد بن زايد يغدق عليه كل هذا العطاء، لقد أحرجوا الذين من قبلهم وضيقوا على الذين من بعدهم ونحن نرفع لهم الراية ونشكرهم بالنيابة عن كل الشعراء، فخليجنا واحد وساحتنا واحدة. • كيف تنظر إلى المسابقات الشعرية؟ •• هي الوحيدة التي أبقت على الشعر وأبقت على الشعراء مجتمعين وحولت أنظار المتابعين إلى وجهة واحدة وهي وجهة الشعر، لكنها أيضا تحتاج إلى أن تساهم في صناعة النجوم بشكل أكبر. • أبو فهد، ماذا تقول لهؤلاء في رسائل لا تزيد على ست كلمات؟ •• فهد عافت: مواقف لا تغادر الذاكرة. •• نايف صقر: ثابت كالنخيل. •• مساعد الرشيدي: نلتقيه فيعيدنا إلينا. •• خالد المريخي: كل ما مر الوقت كلما ازداد وفاء ومحبة. •• محمد بن الذيب: رجل تعتمد عليه. •• ضيدان بن قضعان: لم أتصور أن تغيب عنا كل هذا الوقت. •• سعد علوش: يفرض احترامه ولم ينس كغيره مشواره معنا. •• نايف الرشيدي: أخي وصديقي الذي لم يتغير.