عادة ما تتقاطع السياسة بالمال والأعمال، فتسعى بعض الدول لخلق شبكات نفوذ من خلال شخصيات لها القدرة بالتأثير على دوائر صنع القرار حتى في هرم السلطة.. وحين تخترق الدوائر السياسية المؤثرة تنتقل إلى مرحلة إلى قلب السياسات، مشكلة بذلك لوبي اقتصادي مالي يكسر قيود السياسة ويتجاوز حدود الاتفاقيات والمعاهدات.. كما يفعل النظام الإيراني في عدد من كبريات الدول في العالم، الذي صار ينشط مند سنوات عديدة على مستويات عالمية ودولية سواء في أوروبا أو في أمريكا وحتى في آسيا. ورغم أن نشاط اللوبي الإيراني يحاول نظام الملالي التستر عليه ويبقى طي الكتمان والسرية، إلا أن هذا اللوبي الذي نتحدث عنه اليوم في بريطانيا كان علنيا وفاعلا في كثير من الدول. «عكاظ» فتحت ملف اللوبي الإيراني من واشنطن مرورا بباريس ثم إلى لندن، لتستكشف علاقات هذه الشبكات الحصرية لهذا اللوبي و«رجالات الظل» الرئيسة التي تنشط على أعلى مستويات وتنفذ إلى أروقة ودهاليز الحكومات والدول من أجل «تبييض» وجه نظام يريد تنصيب نفسه وصيا على العالم العربي والإسلامي. فمن باريس إلى بروكسل إلى لندن، شكل نظام الملالي شبكة علاقات في مجال المال والأعمال كما في السياسة. وأصبحت هذه الشبكة تستعمل نفوذها الاقتصادي للضغط على الحكومات. اعتمدت إيران في نسج هذه الشبكة، على شخصيات اختارتها من الوسط السياسي الغربي وطعمتها بالمال والعقود الاستثمارية الكبرى والخيالية، فتمكن نظام الملالي من السيطرة على هذه الشخصيات السياسية التي أصبحت تشتغل في أروقة حكوماتها للسياسة الإيرانية وتروج للاستثمارات الإيرانية بالخارج والداخل وتمكنت أيضا من لعب دور كبير في رفع العقوبات على إيران. إذ لعب جواد ظريف على ورقة شبكة الشخصيات الغربية أو ما يسمى ب «الشخصيات البرو إيرانية» أي المؤيدة للسياسة الإيرانية في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا. نورمان لامونت، أو كما يطلق عليه (اللورد لامونت أوف لارويك) (Lord Lamont of Lerwick)، واحد من هذه الشخصيات التي ساهمت في نفوذ الشركات الإيرانية التابعة للنظام الإيراني في المملكة المتحدة. وهو أيضا واحد من الذين لعبوا لعبة الكواليس لرفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني. كان نورمان لامونت وزيرا للمالية في حكومة جون ميجور في تسعينيات القرن، ربط شبكة علاقات مع النظام الإيراني آنذاك واستغل نفوذه في حكومة جون ميجور ليساعد الكثير من رجال الأعمال الإيرانيين في مواقع شركات اقتصادية مهمة ببريطانيا. في منتصف التسعينات وعندما غادر (اللورد لامونت أوف ليرويك) حكومة مايجور، سخر نفسه كمستشار ومحام لأغنى رجال الأعمال الإيرانيين الموالين للنظام الإيراني في المملكة المتحدة. واستغل الإيرانيون الموجودون في بريطانيا مهارات نورمان لامونت الدبلوماسية وشبكة علاقاته لتقديم الدعم لهم عند التعامل مع السلطات الغربية. وإذ تمكن نورمان لامونت من الحفاظ على مكانته منذ ذلك التاريخ إلى اليوم بالقرب من البلاط الإيراني، فذلك يعود بفضل رئيس مجموعة بالي، Balli Group الإيراني وحيد علاقبند، الموجود بلندن والمقرب جدا من حسن روحاني والذي فتح الكثير من الامتيازات للامونت بالقرب من حسن روحاني. المكانة المتميزة التي حظي بها لامونت كمستشار لرجال الأعمال الإيرانيين الموالين لإيران في المملكة المتحدةوإيران، بعد مغادرته منصب وزير المالية في حكومة مايجور، جعلت منه الرجل رقم واحد في اللوبي البريطاني، الموالي للنظام الإيراني، والداعم للسياسة الإيرانية لدى الحكومات الغربية. إذ لم يفوت لامونت أية مناسبة دون أن يقدم الدعم والتسويق لإيران، خصوصا لدى حكومة طوني بلير وتشجيع وزير خارجية بريطانيا السابق جاك سترو، من أجل المطالبة برفع العقوبات على إيران. نجح النظام الإيراني في تطوير علاقاته مع نورمان لامونت، خصوصا أن إيران أدركت أن شبكة العلاقات التي يتميز بها البريطاني لامونت، ستمكنها من النفوذ إلى كثير من مراكز القرار، فعملت على تقريبه من مسؤولين إيرانيين كبار في مواقع سيادية كرئيس منتدى الدول المصدرة للغاز محمد حسين عادلي، وكذا محمد نهاونديان رئيس الديوان الرئاسي الإيراني، مرورا برئيس الغرفة التجارية الإيرانية البريطانية (IBCCIM) علي ناغي السيد كموشي. وباعتباره الشخصية البريطانية البارزة الموالية لرجال الأعمال الإيرانيين، وللنظام الإيراني، فقد كان من الطبيعي أن يرشح لرئاسة الغرفة التجارية البريطانية الإيرانية (BICC) في 2004 وبالتالي يصبح الداعم الرئيسي لعودة الاستثمارات البريطانية في إيران والعكس في بريطانيا. وبواسطة هذه العلاقات، أعطيت التوجيهات لنورمان لامونت، لفتح خط جديد تجاه بروكسل من أجل حشد التأييد داخل قبة الاتحاد الأوروبي لصالح نظام الملالي، واستطاع لامونت، أن يفتح قنوات جديدة وأن يحشد شبكة جديدة كانت تنشط في كواليس الحكومات الغربية. عمل نورمان لامونت وشبكته من أجل رفع العقوبات على إيران، ونشط في كواليس الحكومات الغربية رفقة شبكة علاقات داخل دول الاتحاد الأوروبي أي في الأوساط الاقتصادية الفرنسية والإيطالية والألمانية وبجانب حكومة دفيد كاميرون من أجل التسريع بالتوقيع على الاتفاق المنهي للعقوبات الاقتصادية على طهران. وعشية التوقيع في منتصف يناير 2016 على رفع العقوبات، كانت شبكة نورمان لامونت قد مهدت الطريق، للفوز بعقود واستثمارات وسارعت لإرسال وفود لكبريات الشركات البريطانية إلى طهران. وتمكنت الشركات الفرنسية بفضل اللوبي الفرنسي من توقيع صفقات بمليارات الدولارات مع إيران وكذلك بالنسبة لإيطاليا وألمانيا. وحتى يكافئ رئيس اللوبي الإيراني البريطاني لامونت، على الخدمات الجليلة التي قدمها لنظام الملالي، وبعد رفع العقوبات وباعتباره المقرب القوي لنظام روحاني، فقد عين مبعوثا تجاريا إلى إيران في يناير من قبل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وكان أول من شكل شبكة رجال الأعمال والسياسة البريطانية الإيرانية. بعد اتفاق مباشر مع النظام الإيراني الذي خطط لنسج هذه الشبكة في محاولة للاستحواذ على كبرى الشركات الاقتصادية الأوروبية بما فيها البريطانية وحلحلة القوانين التي تلجم الجموح الإيراني. فكان نورمان لامونت من رجالات إيران في لندن ومن أهم «البيادق» التي تحرك الكواليس السياسية والاقتصادية في بريطانيا لصالح نظام الملالي. لامونت لعب دورا كبيرا في الحد من تأثير القيود المصرفية على حركة التجارة بين إيران وبلاده، بل كان وراء توقيع الاتفاق المتعلق في تيسير تمويل الصادرات بين طهرانولندن. وبصفته مستشارا في مجال الاستثمارات الإيرانية، البريطانية، كان أول ما فعله بعد رفع العقوبات في يناير 2016، أن عقد اجتماعا بلندن بين رؤساء البنوك الأوروبية والبريطانية ووفد من البنك المركزي الإيراني. هذا الاجتماع الذي لم يتمكن من خلاله المجتمعون من تجاوز عتبة تسهيل حركة السيولة بينها وبين البنك المركزي الإيراني. خصوصا أن اللوبي البريطاني الإيراني كان قد جهز حزمة من الاستثمارات القوية والثقيلة ولم يتمكن البنك البريطاني من تسهيل حركة السيولة والائتمان جراء قانون العقوبات الذي يقيد حركة البنوك والمصارف تجاه الشركات الإيرانية نتيجة العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني والتي لم تخفض أو ترفع بعد الاتفاق النووي الأخير. وظلت البنوك الأوروبية منها الفرنسية والبريطانية تتوجس من الوقوع في مخالفة تضعهم تحت طائلة الذراع الطويلة للقانون الأمريكي المتعلق بالعقوبات الدولية. ورغم ذلك، ورغم تحذيرات الجانب الأمريكي، تمكن لامونت من الدفع إلى توقيع على مذكرة تفاهم أربعة أشهر بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني بين وكالة التصدير البريطانية ونظيرتها الإيرانية. إيران وظفت أثناءها أذرعها في كل من باريسولندنوبروكسل، من خلال شبكتها النافذة في الاتحاد الأوروبي. واشتغل إثرها ذراعها ومواليها نورمان لامونت في كواليس البرلمان البريطاني ليقنع المصرفيين البريطانيين بتحريك الآلة الأوروبية لصالح إيران ودفعها بعد رفع العقوبات الاقتصادية إلى توفير السيولة والائتمان للشركات الإيرانية من قبل قطاعات البنوك الأوروبية التي لا تزال تخضع لقواعد التعاملات البنكية المحفوفة بقيود ضد إيران. وهو ما دفع شبكة نورمان لامونت إلى تحريك اللوبي البريطاني في قطاع البنوك لتبديد كل العراقيل وسن قواعد ميسرة للتعاملات الأوروبية الإيرانية. لامونت صرح لأحدى الصحف البريطانية أن الاتحاد الأوروبي لعب دورا كبيرا في رفع العقوبات على إيران بفضل اللوبي البريطاني، وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يهدد التجارة مع إيران مستقبلا.