استعاد الفرنسيون حبهم للمنتخب الوطني ووضعوا خلفهم أعواما من الخيبة والفضائح، وذلك بعد بلوغ «الديوك» نهائي كأس أوروبا 2016 المقامة على أرضهم بفوزهم على المنتخب الألماني بطل العالم 2 -صفر في مرسيليا. وسجل انطوان غريزمان ثنائية الفوز على الألمان وأعاد الفرنسيين إلى حقبة كتيبة زين الدين زيدان ورفاقه الذين قادوا بلادهم إلى لقبها العالمي الأول عام 1998 ثم إلى التتويج القاري عام 2000 ونهائي مونديال 2006. وكان نهائي مونديال ألمانيا 2006 الذي خسره الفرنسيون أمام إيطاليا بركلات الترجيح في مباراة طرد فيها زيدان بسبب «نطحه» ماركو ماتيراتزي، بمثابة نهاية الأمجاد بالنسبة لمنتخب «الديوك»، إذ خرج بعدها من الدور الأول لكأس أوروبا ،2008 وكأس العالم 2010، ثم من ربع نهائي كأس أوروبا 2012 ومونديال 2014. ومنذ تتويجها على حساب إيطاليا 2-1 في نهائي 2000 المثير في روتردام تحت إشراف المدرب روجيه لومير، لم تنجح فرنسا في تحقيق الفوز في أي مباراة إقصائية من المسابقة القارية حتى النسخة الحالية التي شهدت تغلبها على إيرلندا 2-1 في ثمن النهائي وآيسلندا 5-2 في ربع النهائي ثم ألمانيا في نصف النهائي وتبقى أمامها البرتغال التي تقف بينها وبين لقبها القاري الثالث. ونجح غريزمان ورفاقه في كتيبة المدرب ديدييه ديشان، قائد التتويج في مونديال 1998 وكأس أوروبا 2000، في إعادة الأمل للجمهور الفرنسي الذي احتفل طويلا الخميس في العاصمة باريس بإنجاز التأهل إلى النهائي قبل أن تتعكر الأجواء بسبب المواجهات بين بعض المشاغبين والشرطة في جادة الشانزيليزيه. وكان هناك 90 ألف شخص في منطقة المشجعين تحت برج إيفل، فيما توزع عشرات الآلاف خلف الشاشات العملاقة في أنحاء العاصمة والمدن الفرنسية الأخرى. واستعاد المنتخب خلال هذه البطولة علاقته السابقة بمشجعيه، وقد ظهر ذلك جليا قبل مباراة الدور ربع النهائي ضد آيسلندا عندما تجاوز اللاعبون ألواح الإعلانات من أجل تحية الجمهور، وهو أمر لم يشهده الفرنسيون منذ مونديال 1998 الذي استضافوه على أرضهم أيضا، وذلك بحسب ما يؤكد هيرفيه موغان، رئيس أحد روابط المشجعين، مضيفا: «بإمكانك أن ترى الفارق من خلال طريقة تصرف اللاعبين. في السابق، عانى هذا الفريق في التعبير عن سعادته والتواصل مع المشجعين». وسمحت نهائيات 2016 في تحقيق المصالحة بين المنتخب والجمهور ومداواة الجراح التي خلفتها مشاركاته الأخيرة. لقد عرف معسكر المنتخب الفرنسي خيبات انضباطية كبرى على غرار مستواه الفني في السنوات الماضية، ففي مونديال 2010 طرد المهاجم نيكولا أنيلكا من بعثة المنتخب لخلاف مع المدرب الغريب الأطوار ريمون دومينيك، وتلا ذلك مقاطعة زملائه التمارين في جنوب أفريقيا. وفي 2012، دخل لاعب الوسط سمير نصري في مشادة عنيفة مع صحفي أوقف بعدها 3 مباريات. كما أوقف المهاجم جيريمي مينيز عن خوض مباراة بسبب مواجهة مع أحد الحكام وزميله الحارس هوغو لوريس. وحتى إن مشاركته في البطولة الحالية لم تخل من المواقف المثيرة للجدل، إذ اتهم مهاجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيمة المدرب ديشان بالعنصرية لأنه استبعده عن النهائيات بسبب مسألة ابتزاز زميله ماتيو فالبوينا في قضية شريط جنسي صوره الأخير. ثم أضيفت إلى هذه المسألة جراح أعمق ناتجة عن المشاهد المؤلمة التي عاشتها العاصمة باريس خلال اعتداءات 13 نوفمبر 2015 أسفرت عن 130 قتيلا، في يوم المواجهة بين فرنساوألمانيا وديا على «ستاد دو فرانس» الذي شهد اعتداءات خارج أسواره. ويمكن القول إن عملية المصالحة مع الجمهور بدأت في نوفمبر 2013 خلال مباراة الملحق المؤهل إلى مونديال 2014 ضد أوكرانيا، إذ كانت فرنسا بحاجة إلى الفوز من أجل السفر إلى البرازيل وهذا ما فعلته (3 -صفر). وتحدث ظهير يوفنتوس الإيطالي باتريس ايفرا الذي كان قائدا للمنتخب في جنوب أفريقيا 2010، عن أجواء مباراة الخميس في «ستاد فيلودروم»، قائلا: «عندما دخلت إلى أرضية الملعب شعرت بالأجواء، علمت أنه ليس باستطاعتنا الخسارة». أما زميله في يوفنتوس بول بوغبا، فقال: «كان الأمر رائعا، كانت الأجواء مجنونة. انظروا إلى جميع الأشخاص الموجودين هنا من أجل مساندتنا. إنه أمر مذهل، رائع، لكن الأمور لم تنته»، في إشارة إلى المباراة المتبقية غدا ضد البرتغال.