انتهى شهر الخير، وكما غادرنا سريعا ها نحن ندخل في العيد سريعا، فكل عام وأنتم بخير.. وعجلة الزمن عجلة شعورية نحن مقياسها، فاليوم مكون من 24 ساعة، لكن هذا الثبات الزمني كقيمة حسابية لا يعني ثباته في أعماقنا، فالإنسان جبل على الشعور بسرعة الزمن حين يكون سعيدا، ولأن الفرحة هي انشغال عن حركة الزمن يغدو المقياس شعوريا ببقاء لحظة المتعة، والمستمتع (في أوقات كثيرة) يتمنى أن يغدو اليوم أسبوعا أو أكثر لكون المتعة الناجمة تتغلب على حركية الزمن. ولأن الإنسان يمثل وحدة الكون تجده متقلبا ومتغيرا وفق المدارات التي يكون عليها، ولكل مدار في داخله زمنية خاصة تتحكم في شعوره بالمد أو الجزر بالتسارع أو التباطؤ بالثقل أو الخفة بالحزن أو بالبهجة. ولحظات التسارع والخفة والبهجة هي مؤشر انتقال شعوري من حالة إلى حالة تخف فيها وطأة الزمن. ومن هنا نجد أن العشاق (وعبر التاريخ) يشتكون من قصر الوقت حين يلتقون بأحبتهم، ولهذا تجد قصائد الشعراء تجسد الزمن كعدو للحظات اللقاء. وكم حاول المغنون مد الليل «ياليل طول شويه» أو دفع الشمس «يا شمس يا منورة غيبي» من أجل إبقاء اللحظة أو استعجال حضورها. وما دام الزمن هو حالة شعورية فدعونا نعيش فرحة العيد كلحظة من غير استقطاب كوابح الفرح سواء بتذكر مآسينا أو صناعتها.. هي أيام وستعبرنا سريعة لنعود إلى الرتم المعتاد الذي غالبا ما يخلف حالة من التباطؤ والشعور بالملل، والفطن هو من يتبع نصيحة أسطورة بياع الكلام الذي عرض حكمه للبيع فاشترى بطل الحكاية ثلاث حكم، منها حكمة «ساعة الحظ ما تتعوض».. والعيد من ساعات الحظ التي لا تعوض إلا بعد مرور عام كامل، فلنعشها كما نحب ومن لم يجد ما يحب فليستلهم من ماضيه جمال هذه اللحظة سواء بتطهير داخله من مشاعر الكره أو بالغناء أو بالذكريات أو بزيارة الأماكن أو بمشاركة الأصدقاء اجترار الحكايات. وهناك من يجتر هذه الفرحة من خلال زيارة مواقع صباه وشبابه وهناك من يجتر هذه الفرحة بوجوده وسط المحتفلين بالعيد. وكم هي المواقف التي تعيدنا لاجترار جمال العيد وجمال أرواحنا. أي أن الفرحة نحن من نستجلبها، فتكيف النفس مع الحالة الشعورية المراد الوصول إليها يولد ثمرة تلك الحالة، كما أن دخول المجاميع في حالة شعورية واحدة يعطي زخما حقيقيا للشعور بتلك الحالة. إذن دعونا نفرح بأيام العيد ونمنح أنفسنا فرصة تجدد حقيقية من غير حمل أحزاننا معنا على الأقل هذه الأيام بالتحديد. ولنعاود القول بأن الكون ليس على صورة واحدة، فكل حالة ولها حالتها وزمنها، ونحن نقف الآن في زمنية الفرح والحضور الجمعي في حالة واحدة يفاعل ويضاعف الحالة. فلا تحرموا أنفسكم من هذا الفرح الجماعي، وهذه المعايدة والنصيحة مكررتان مثلهما مثل جملة: كل عام وأنتم بخير.