دخل ما يزيد على 50 ألف معتكف ومعتكفة مع غروب شمس يوم العشرين من رمضان المسجد الحرام، ليمضوا 10 أيام في انقطاع تام عن الدنيا متقربين إلى الله، بالعبادة من صلاة وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار. وتذوب الفوارق المادية والاجتماعية في فترة الاعتكاف، فالشيخ الكبير يجلس إلى جوار الشاب، والثري يتدارس القرآن الكريم مع البسيط في أجواء روحانية مفعمة بالإيمان، الكل يتقرب إلى الله رافعا يديه راجيا عفو ربه. وبدأ المعتكفون والمعتكفات بالدخول إلى المسجد الحرام يومي الخميس والجمعة الماضيين، لأخذ أمكنة مناسبة مستبقين الزحام الذي يحدث، بينما خصصت «الرئاسة» هذا العام موقعين للمعتكفين، هما الدور الثاني بتوسعة الملك عبدالله، وقبو توسعة الملك فهد، وفيما عدا ذلك سيتم تخصيصها للصلاة ولا يسمح للمعتكفين بالبقاء في غير هذين الموقعين. «عكاظ» جالت داخل المسجد الحرام وقت بدء دخول المعتكفين، حاملين معهم غطاء ومخدة فقط، إضافة الى جوالاتهم، ووزعت «الرئاسة» على كل معتكف بطاقة ممغنطة، بعد أن يتقدم بطلب الاعتكاف من خلال موقع الرئاسة الإلكتروني أو من خلال إدارة النظافة، وتمكنه البطاقة من فتح خزنة يتم تسليمها له لكي يضع فيها ملابسه. وعلى رغم رفض كثير من المعتكفين في توسعة الملك عبدالله التحدث ل«عكاظ» مفضلين أن تكون عبادتهم خالصة لوجه الله، إلا أننا تمكنا من أخذ بعض المعلومات البسيطة منهم، فأحدهم عرف نفسه بأنه موظف في إحدى الشركات بالمنطقة الغربية، مشيرا إلى أنه دأب منذ 20 عاما على التمتع بإجازته السنوية بدءا من 15 من رمضان ليتفرغ للعبادة في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، بعد أن يؤدي العمرة مع أبنائه ويعيدهم إلى المنزل ثم يعود للاعتكاف. حميد هكذا اكتفى باسمه الأول، مجاورا لأحد الأعمدة في التوسعة بسجادته ومصحفه وحقيبة فيها بعض الملابس، يقول: «هذا مكاني أخرج لتناول طعامي ثم أعود إليه ولا أخرج منه، إلا ليلة العيد وأنا أشعر بسعادة غامرة وأسعد أيام حياتي هي هذه الأيام». شاب لم يتجاوز عمره 30 سنة، رفض ذكر اسمه، يقول: «كانت تجربتي في الاعتكاف العام الماضي، وكان السبب هو زوجتي التي شجعتني على ذلك، وهي الآن معتكفة في القسم النسائي، ونلتقي ونخرج لتناول طعامنا ثم نعود، إذ إنني متزوج من العام الماضي». وأضاف: «تخيل أنني تزوجت في شعبان العام الماضي ودخلت الاعتكاف في رمضان والسبب زوجتي التي شجعتني على ذلك والحمد لله أعيش في سعادة غامرة ولله الحمد ولن أقطع هذه العبادة ما دمت مستطيعا، إذ أشعر بسعادة غامرة في ذلك». وإلى جواره شاب يدعى أحمد أكد حرصه على الاعتكاف سنويا، مشيرا إلى أنه في إحدى السنوات داهمه مرض وهو في معتكفه وعلى رغم شدة المرض استمر حتى أنهى أيام الاعتكاف. لافتا إلى أن من ذاق لذة الاعتكاف ومناجاة الله سبحانه وتعالى بعيدا عن هموم الدنيا سوف يتحمل ما يحدث له ويعد الأيام والليالي حتى يأتي رمضان. وبين السوري أحمد سليم أنه موجود في الحرم المكي منذ 15 من رمضان. لافتا إلى أنه دأب على الاعتكاف في الحرم المكي منذ 25 عاما، مشيرا إلى أنه يعتكف مع اثنين من أبنائه. بدوره، أوضح مدير إدارة التوجيه والإرشاد في المسجد الحرام الشيخ سلمان المقوشي ل«عكاظ» أن الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن السديس أصدر تعليمات بالاهتمام بالمعتكفين وتوفير الجو التعبدي المناسب لهم. لافتا إلى أنه يجري خدمتهم بتخصيص ما يحتاجونه من خزائن توضع فيها مستلزماتهم ويمنحون بطاقات ممغنطة لفتحها. وأفاد أن عدد الخزائن بلغ العام الحالي زاد على ألفي خزانة، وسيجري زيادتها مستقبلا، موضحا أن أي معتكف يستطيع أن يتقدم من خلال الموقع الرسمي لرئاسة شؤون الحرمين أو من خلال إدارة النظافة للحصول على خزانة. وبين المقوشي أنه يسمح لكل معتكف بإدخال غطاء ومخدة وهاتفه النقال، مشيرا إلى أنه جرى تخصيص قبو توسعة الملك فهد والطابق الثاني في توسعة الملك عبدالله للمعتكفين وهما يستوعبان 100 ألف معتكف، ولا يسمح لهم بغيرهما، إذ ستكون بقية الأماكن مخصصة للصلاة. وذكر المقوشي أنه يجري إرشاد المعتكفين وتوجيههم من خلال محاضرات توجيهية لقضاء هذه الأيام في العبادة بعيدا عن الانشغال في ما لا فائدة فيه، كما سيتم توزيع مطويات توجيهية تتحدث عن كيفية قضاء المعتكف لوقته والفائدة التي تعود عليه بعيدا عن الانشغال في ما لا يعنيه. لافتا إلى أن هناك جولات تقوم بها إدارة التوجيه والإرشاد على مواقع المعتكفين لمعالجة أي أخطاء تحدث في الحال أو الرفع بها للإدارة المختصة.