لفت إبراهيم البليهي أنظار المفكرين العرب. وبهر النخب العربية بطرحه. وربما اندهش بعضهم أن تُخرجَ الجزيرةُ العربية مفكّرا تنويريا بل تقدميا في إنسانيته وطرحه كونه وُلد في منطقة نجد ودرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرج في كلية شريعتها. آمن مبكرا أن الفكر عبر عصوره هو تراث للبشرية وحق مشترك والتعامل مع واجب مشاع. ورفض بصرامة تصنيم الماضي والوقوف عند ما أنجزه السابقون من مقولات واجتهادات صالحة لعصرها. يفهم الليبرالية فهما حضاريا يقوم على احترام حرية الإنسان لا تحرره المطلق كما يظن البعض. يحرص في حواراته ومشاركاته أن يصدع بقناعاته الجدران الجامدة. ذلك أن الإسلام دين يقوم على العقل. فلا تكليف على مجنون. ويؤكد البليهي أن التفكير بعقلانية في كل طرح واستطلاع آراء المثقفين حول أي قضية مجتمعية سبيل إلى تجسير المسافات بين الفقهاء والفلاسفة والدعاة. ولا يقطع بالقناعات إذ يتحفظ على الادعاءات التي يرددها بعض المسلمين عن فضل العرب على الحضارة الغربية، ويرى أنها حالات فردية لا تعبر عن وجود مناخ عام علمي وثقافي في العالم العربي والإسلامي خلال عصور نهضته، ويؤكد أن العلماء الذين نقل عنهم الغرب كانوا في الأصل ناقلين عن الحضارة الغربية مثل ابن رشد الذي شرح فكر أرسطو الغربي ، ثم عاد الغرب فنقل عنه ذلك في زمن انبعاث حضارته، في حين كان المسلمون يحذرون من هؤلاء الذين نقل عنهم الغرب ويتبرأون من أفكارهم، ويذهب إلى أن المسلمين لا ينقصهم شيء فهم بشر مثل غيرهم، ولديهم دين عظيم يحض على العمل ويدعو الإنسان إلى أن يكون لأمته أكثر من أن يكون لنفسه. ويتطلع إلى أن يسهم في استنهاض الأمة لتستعمل طاقاتها التي لم توظف حتى الآن إلا في الهدم، ويرفض أن تكون ثقافتنا ثقافة هدم بل ثقافة بناء. ويفرق البليهي بين الإسلام وبين المسلمين وبين تاريخ الإسلام، كون الإسلام دينا عظيما موجودا بنصوصه.وحاضرا في أفعال الرسول عليه السلام. وأفعال الخلفاء الراشدين. كان شيخ المفكرين السعوديين أول من كشف أن الصراع على السلطة هو محور تاريخنا، وأن من يصارع عليها يجتهد في تطويع مبادئ الإسلام لتدعم موقفه واتجاهه ليحافظ على السلطة أو يستبقيها. ويكرر في طرحه أنه لم يتح للإسلام أن يرسخ تجربته الحضارية العظمى. وبما أن التاريخ صورة مكرورة ونماذج متشابهة فهو من ابتدع الصيغ الملائمة للعصر الذي نعيش فيه في سياق الإفادة من الماضي واستحداث ما يلائم الزمن الذي يعيشه الإنسان بما يكفل له تحريره من الظلم والاستعباد والقهر والتحكم في عقله واختياراته وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم العلمي والمدنية المجتمعية والرقي السلوكي المقترن بالحريات المنضبطة. وإعلاء شأن دولة القانون والنظام والمؤسسات. ولد البليهي في مدينة بريدة في منطقة القصيم 1363ه، عضو مجلس الشورى، وعمل قرابة أربعين عاما في وزارة البلديات، وله من المؤلفات «سيد قطب وتراثه الأدبي والفكري»، «حائل والخدمات البلدية» - جزءان -. و«مكمن التقدم - عن أهمية الطاقة الإنتاجية والإبداعية. وبنية التخلف»، و«وأد مقومات الإبداع». كما أنجز مشروعا فكريا من خمسة كتب عن تأسيس علم الجهل وحصون التخلف وعبقرية الاهتمام والعقل البشري: إمكاناته ونقائصه. وكما تميز في طرحه واستقلالية أفكاره تميز في العفة وطهارة اليد. إذ عفّ عن قبول منحة (قطعة أرض) في موقع مميز. واعتذر عن قبوله مؤملا أن تمنح لمستحق. أو لمشروع أو حديقة ليضرب مثلا في نزاهة المثقف.