«جعلت المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز، وحدة الأمة الإسلامية، والسعي إلى لم الشمل العربي والإسلامي، هدفا تسعى إليه دائما، وتحرص على تحقيقه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا»، هذا ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في كلمته إلى شعب المملكة العربية السعودية والمسلمين في كل مكان بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك لعام 1437. وأضاف مشددا «وسنبقى حريصين على هذا الهدف النبيل قيادة وشعبا، نفرح لفرح إخواننا المسلمين، ونحزن لحزنهم، نواسيهم في ما ألم بهم، ونسهم في إصلاح ما تصدع من جدار الأمة وكيانها العزيز علينا، بوقوفنا معهم في الشدة والرخاء». ولا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها المملكة في سبيل تحقيق هذا الهدف، والمتتبع للنهج السعودي في التعامل مع قضايا التضامن الإسلامي يلمس واقع هذه الجهود وانعكاساتها الإيجابية على الأمة، وتضامنها بكل أبعاده السياسية، والاقتصادية، والعسكرية والإستراتيجية والثقافية. وتظل الدعوة إلى التضامن الإسلامي مرتكزا أساسيا من مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة، حيث سعت منذ نشأتها إلى حشد وتكريس قدراتها وطاقاتها ومواردها، وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه. وتم تضمين هذا التوجه نحو التضامن الإسلامي، أيضا في النظام الأساسي للحكم، إذ تلزم المادة 25 الدولة على: «تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة.. وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة». وكان من ثمار هذا النهج أن أضحت المملكة من أوائل الدول في مباركة المبادرات التي تهدف إلى جمع الشمل العربي والإسلامي، حيث لعبت دورا رياديا في إنشاء رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وغيرها من المنظمات الدولية الإسلامية. وأخذت المملكة على عاتقها القيام بأعباء مسؤولية خدمة الإسلام ورعاية شؤون المسلمين، برغم ضخامتها وجسامتها، وهي تبعا لذلك تسخر وتوظف كافة إمكاناتها المادية وثقلها السياسي لتحقيق هذا الهدف. واستطاعت المملكة أن تلعب دورا تاريخيا مهما في ترسيخ مفهوم التضامن الإسلامي والدفاع عن الإسلام والمسلمين، بتبنيها سياسة التضامن الإسلامي، وسعيها الحثيث إلى توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم ودعم قضاياهم في جميع المجالات، حتى جعلت من التضامن الإسلامي حقيقة واقعة. وها هو الملك سلمان يؤكد استمرارية هذه المسيرة دعما لتضامن الأمة، ولم شملها، وتوحيد كلمتها، في مواجهة قضاياها المصيرية. اجتثاث الإرهاب ولما كان الإرهاب داء العصر الذي تتنادى الأمم لمواجهته وقطع دابره، حرص خادم الحرمين الشريفين على التنبيه لمخاطره، وضرورة تكاتف الجهود لمحاصرته واقتلاعه من جذوره، حيث قال: «شهر رمضان هو شهر الرحمة، وفيه نتذكر أن العالم كله يشتكي من داء الإرهاب بكل أشكاله وصوره، ومهما تنوعت بواعثه الخبيثة فهو انحراف عن الفطرة السوية، لا يفرق بين الحق والباطل، ولا يراعي الذمم، ولا يقدر الحرمات، فقد تجاوز حدود الدول، وتغلغل في علاقاتها، وأفسد ما بين المتحابين والمتسامحين، وفرق بين الأب وابنه، وباعد بين الأسر، وشرذم الجماعات». وأكد «إن الإسلام دين الرحمة والرأفة والمحبة والوسطية، وهو يدعو إلى السلام والعدل ونبذ العنف والتطرف، وإننا نسأل الله في هذا الشهر المبارك أن يعين الأمة الإسلامية والعالم أجمع على اجتثاث هذا الوباء والقضاء عليه». ويأتي حديث الملك سلمان مرتكزا إلى أرضية صلبة عززتها تجربة ناجحة في مواجهة الفئة الضالة، والداعمين لها في محاولة لزعزعة أمن واستقرار المملكة وضرب اقتصادها الوطني، إضافة إلى رؤية بعيدة المدى تركز على استئصال البؤر الإرهابية داخل وخارج المملكة وتجفيف مصادر تمويلها، وذلك من خلال تأسيس التحالف العسكري الإسلامي، والدعوة إلى تكاتف دولي لاجتثاث هذه الآفة الخطيرة من جذورها.