الخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية وشقيقتها الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي بإنشاء مجلس أعلى للتنسيق بين البلدين تمثل في حقيقتها تتويجا متأخرا لوحدة الرؤى والهدف والمصير بين الدولتين والتطابق التام بينهما في المواقف السياسية تجاه القضايا الإقليمية والدولية والوعي بخطورة التحديات المصيرية المحيطة بالخليج والعالم العربي، فالإمارات من جانبها تعتبر السعودية العمق الإستراتيجي لها ولكافة دول الخليج العربي، وتؤمن سياستها دائما بأن الرؤى الموحدة بين البلدين تجاه التحديات هي السبيل الوحيد لتعزيز أمن المنطقة وشعوبها وقد أثبتت أبوظبي أنها الشريك الأكثر وفاء وتوحدا مع الرياض في كافة الأزمات والمواقف السياسية وليس آخرها موقفها الصلب والمحوري في عمليات عاصفة الحزم ومن بعدها إعادة الأمل في الوقت الذي كانت فيه دكاكين الإعلام السياسي المأجورة تثير الشائعات وتختلق الأكاذيب حول اختلافات مزعومة في مواقف البلدين تجاه الأزمة اليمنية، وهي إشاعات ساذجة هدفها الوحيد خدمة أيتام المشروع الإخواني الذي تجاوزته المنطقة خلال الأعوام الماضية ولم يعد لأنصاره سوى الاقتيات على الأوهام. السعودية كذلك تنظر للإمارات كشريك حقيقي وثابت في توطيد أمن المنطقة بجانب الروابط التاريخية ووحدة الهوية والهدف والمصير التي تجمع البلدين، وقد اتضحت قوة العلاقات التنسيقية بين الرياضوأبوظبي بشكل لافت في المسار السياسي والعسكري خلال عملية تحرير مدينة «المكلا» اليمنية من قبضة تنظيم القاعدة قبل أيام قليلة من الإعلان عن إنشاء المجلس التنسيقي، وهذا ما يجعل من المجلس تتويجا رمزيا لواقع حقيقي على الأرض لا يمكن تجاهله. المجلس الجديد الذي يرأسه من الجانب السعودي سمو ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان ومن الجانب الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، يهدف إلى التشاور والتنسيق في الأمور والمواضيع ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة وليس محصورا على الأبعاد الإستراتيجية فقط، فالبلدان أمام تحديات اقتصادية مشتركة أيضا تستدعي التنسيق التام والتشارك في الرؤى والتجارب لتجاوز الاعتماد على النفط في ظل انهيار أسعاره عالميا، وللرياض في هذا الجانب رؤيتها المعلنة التي تتجسد في المشروع التاريخي الكبير «رؤية السعودية 2030» ، كما أن للإمارات تجربتها الخاصة في تخفيض نسبة اعتماد إيرادات الدولة على النفط وأمامها تحديات كبرى لا تقل صعوبة تتمثل في المحافظة على استقرار بيئتها الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو أعلى خلال السنوات القادمة. ولعل تأكيد البلدين على أن المهام الموكلة للمجلس التنسيقي بينهما لا تخل بالالتزامات والتعاون القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي دلالة واضحة على أنه مجلس تكاملي يصب في مصلحة الكيان الخليجي قبل أي شيء وهذا هو الأهم.