وشدد على أن الإرجاف في مآلاته عدوان على الأمة، وأن المرجف سبيله التعويق، والتخذيل، ونشر الفتن، والمرجف يتكلم عن الداء ولا يبالي بالدواء، يثير العيوب، ويخفي الفضائل، يقع على السلبيات، ويصد عن الإيجابيات، فتظهر السوءات وكأنها هي السمة السائدة في المجتمع، والصفة الغالبة في الأمة، في تخذيل وتضليل، وشيء من الحق قليل، وتطاول على أهل الحق. ولفت إلى أن أهل العلم قرروا إن الإرجاف طريق حرام لا يجوز الإقدام عليه، يقول القرطبي رحمه الله: «والإرجاف حرام لما فيه من أذية أهل الإيمان؛ بل ألحقه بعضهم بكبائر الذنوب؛ لأن الله لعنهم في كتابه وقرنهم بأهل النفاق، وأمر نبيه بنفيهم ومقاتلتهم» . وأضاف أن للإرجاف والمرجفين مقاصد ومآرب من الإرهاب الفكري، والحرب النفسية، وتوهين العزائم، وإدخال الهم والحزن على أهل الحق والغيورين على مصالح الدين والأوطان والأمة، وبث الفتن والاضطراب بين الناس، وفقدان الثقة، والنيل من الكبراء، وأهل الفضل والاقتداء. وحث أهل الإسلام الغيورين إلى إدراك خطورة هذا المسلك، وعظم إثمه، وعظيم أثره، وأن عليهم التحري في النقل، وفي الاستماع، دون مبالغات كلامية، ولا مؤثرات صورية، فالمسلمون في خندق واحد، وسفينة واحدة، وأهل الإيمان لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم. وحذر المسلمين من أن يكون أحدهم مرجفا، أو يرجف عليه أو أن يكون مخذلا لأمته، ناصرا لأعدائها من حيث يشعر أو لا يشعر، وقال «ليعلم كل صاحب قلم وموقع وتدوين أنه موقوف بين يدي الله، مسؤول عن كل حرف يسطره، أو لفظ يدونه، أو صورة ينشرها» . وبين أن الطريق الحق والسبيل الأسلم أن يتجنب غير المختص، وغير ذي الشأن الخوض فيما لا يعنيه، ويدع الأمر لأهله، والاختصاص للمختصين، وأنه قد يوجد من هو حسن القصد صادق الغيرة، يظن الخير والصلاح والإصلاح في إيراد مثل هذه المرجفات والأحداث المقلقة، ويظن أنه يبصر الناس ويحذرهم من المخاطر لكنه لم يوازن بين المحاسن والمساوئ، والإيجابيات والسلبيات، فلا يعلق عند السامع والمتلقي سوى اليأس، وفساد الناس، واستفحال الداء، فتخور العزائم، وتثبط الهمم. وأوصى في ختام خطبته المسلمين، بالتزام سبيل التعاون، والتآلف، والتناصح المخلص، والتراحم، وكل ما يجمع الكلمة، وينبذ الخلاف.