خسرت المنطقة التاريخية في جدة خلال خمسة أيام جزءا عزيزا من ذاكرتها في ثلاثة حرائق طالت منازل أثرية، وسط مخاوف من ضياع مأثورات المنطقة التي دخلت أخيرا في منظومة التراث العالمي للمدن العتيقة. وأبلغ المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني بمنطقة مكةالمكرمة العقيد سعيد سرحان أن فرق الإطفاء دفعت بعدد كبير من آلياتها لمواجهة الحرائق المتتالية التي بدأت مساء الجمعة، وآخرها فجر أمس، حيث أخلت فرق الإطفاء بناية من أربعة طوابق بعد حريق شب في غرفتين ومطبخ على السطح، ونجح الإطفائيون في محاصرة النيران من طريق إرسال القذائف المائية إلى أعلى المبنى بسبب ضيق شوارع المنطقة التاريخية المزدحمة. وفي الحادثة الثانية، اندلع حريق داخل مبنى من خمسة طوابق واقتصرت النيران على نفايات ومخلفات داخل غرفة، أما الحريق الثالث فقد شب في الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء في بناية مهجورة من أربعة طوابق، وأتت النيران على كامل المبنى دون خسائر بشرية. وأسهمت طبيعة المبنى المسقوف من الأخشاب القديمة في سرعة انتشار النيران في الطوابق الثلاثة. وسادت في الموقع مخاوف من انهيار البناية الأمر الذي اضطر قوات إطفاء الدفاع المدني إلى التعامل مع الحريق من بعد من سطح المباني المجاورة. وأضاف المتحدث باسم الدفاع المدني أنه يصعب تمركز الفرق في مناطق محاذية للمباني المحترقة بسبب طبيعة المنطقة التاريخية، إذ نقل معدات الإنقاذ ومد الفروع لموقع الحريق من خلال الممرات بين المباني. كما لا يمكن ضخ المياه بكثافة لضمان سلامة المباني، إذ إن بعضها لا تقوى على تحمل دفعات المياه الحادة ويتم التعامل مع الحريق في مثل هذه الحالات من طريق الرغاوي والرش المتقطع. مضيفا أن الحرائق الثلاثة لم تسجل أية أضرار بشرية. وأوضح العقيد سعيد سرحان ل«عكاظ» أن التحقيق في الحوادث الثلاث أفضى إلى أن الأولى عرضية والمبنى مأهول بالسكان ولا شبهات، فيما كشفت التحريات أن الحريقين الثاني والثالث حدثا بسبب مصدر حراري، ما يرجح وجود شبهة جنائية. تصنيف البيوت القديمة ألغى تقسيم «ماثيو»! يمثل مسلسل الحرائق المتكررة والانهيارات المتعددة خسارة فادحة في تاريخ جدة التي تزخر بالمواقع الأثرية. وأكد مهتمون بالتاريخ الجداوي أن المنزل المحترق يعد من البيوت التاريخية ذات القيمة الأثرية الكبيرة في المحافظة، وفق التصنيف الجديد الذي جعل معظم مباني المنطقة التاريخية في فئة واحدة، كونها مباني أثرية، بعد أن تم إلغاء التصنيف السابق الذي قسمها إلى ثلاثة أقسام وفق تقسيم «ماثيو». وفقدت جدة منذ سنوات نحو 300 منزل أثري، إما بالفقد الجزئي أو الفقد الكلي والانهيار، أو الاحتراق الكامل، فيما يصل عدد المنازل التاريخية المصنفة إلى نحو 600 منزل. يذكر أن هيئة السياحة وأمانة جدة قطعتا شوطا كبيرا في مجال ترميم أكثر من 400 منزل داخل منطقة التسجيل، و200 في منطقة الحماية المحيطة، إلى جانب مبان حديثة مصنفة شيدت في العام 1950. وكان رئيس بلدية المنطقة التاريخية سامي نوار أشار في تصريح سابق إلى أن عدد المباني التي دخلت حيز الترميم بلغ 606 مبان. وأشار إلى أن الأمانة وقعت أول عقد للترميم في الأول من شهر ذي الحجة من عام 1431، وتوالت عملية استخراج تصاريح الترميم تباعا بعد ذلك.