لا توجد لحظة مليئة بالتوتر والقلق والشتات أكثر من تلك اللحظة التي لا يستطيع أن يدرك بها شاعر المحاورة المعنى أو أن يكون المعنى الذي تناوله الشاعر الذي أمامه أكثر عمقا وأكثر شاعرية ودهشة مما يخالج نفسه في الرد عليه. كثيرة هي الأشياء التي تتناولها «الملعبة» من خلال الصوت والحركة ومن خلال ذلك الوقوف الطويل للشعراء، وكأن هذا الوقوف محاولة لتجسيد هذه الصورة في مخيلة الآخرين لتكون مليئة بالذكريات والشجن. الكثير من الشعراء يختلفون في طريقة وقوفهم ولكن عندما يقف صيّاف الحربي تكون طريقته في الوقوف شيءٌ من الشعر وهاجس ما يتحرك في مخيلة الآخرين، وقبل أن يغني تتوقف جميع الأشياء من حوله وكأنه يحاول أن يعيد لحظة الصمت والصفاء إلى الحياة. تتوقف أيدي الرجال الطويلة عن التصفيق وتسقط عمائمهم الحمراء على الأرض من شدة الرقص، وكأنهم لم يمتلكوها يوما ما فوق رؤوسهم، وعندما يرفع صيّاف صوته بالغناء يبدأ هناك تمازج حميم بين الصوت والمعنى يحرك الواقفين من حوله وهم يرقصون بوتيرة واحدة أو بطريقة أخرى قد يضرب خصر أحدهم خصر الآخر كأن ينبهه بأنها قد فهم المعنى. ومع هذه البهجة الكبيرة تتحرك مئات الرؤوس من الحاضرين فيما بينها في مجموعات صغيرة جدا تتخافت في الحديث للوصول إلى المعنى، وفي تلك اللحظة لا يحاولون الوصول إلا إلى نهاية العالم. غير أن صياف الذي لا يعرف سعادة في غير هذا المكان، لا يستطيع أن يشعر سوى أن ذلك المعنى يحمل شيئا من البراءة فقدت في مكان ما. * شاعر سعودي