ما كان لأصواتنا وآرائنا لتصل للآخر لولا العقل الغربي وتقنياته المبهرة التي جعلت العالم كالقرية الصغيرة، وبالمناسبة هذه هي العولمة التي حذرونا منها وألفوا مئات المنشورات والكتيبات تهويلاً لها، ففي حين نسخط على الغرب وندعو عليهم فوق منابرنا نسارع في الوقت ذاته بتداول تلك الخطب العصماء على هواتفنا الذكية وأجهزتنا التي صنعوها في مفارقة تنقلنا بالذاكرة إلى دعائهم وسخطهم على «ستيف جوبز» بعد رحيله. عندما نستعرض كيف تدرج المتشددون في استخدام التقنيات كالإنترنت مثلاً لتخدم فكرهم فيجدر بنا أن نبدأ بالمنتديات التي استخدمها هذا التيار لضرب مخالفيه ونشر فكره إبان دخول الإنترنت في المملكة في منتصف التسعينات الميلادية حتى ثورة الفيس بوك وتويتر، فبقدر ما خدمتهم هذه المنتديات في الانتشار بقدر ما كشفت خفايا الهزل الفكري الذي يسوقونه كصورة حقيقية للإسلام وحاشا دين الله أن يكون تطرفا وعداء. كانت المنتديات مرتعا خصبا للفكر المتشدد ووسيلة ناجعة في تمدده حتى أصبحت الساحة تكاد تخلو لهذا الفكر لوحده، فقد استخدموها لضرب أي منتدى فكري ثقافي يخالف أفكارهم، وقد ساهمت في تماسك هذا التيار وقوة نفوذه واختراقه للمجتمع بالتفاف الكثير من الشباب حوله ودعمه وإنعاش تلك المنتديات بكثرة المسجلين بها والداعمين ماليا لاستمرارها. في الوقت ذاته كانت المنتديات الأخرى ذات التوجه التنويري يتم إغراقها والعبث في سيرفراتها واختراقها أو سرقة معرفات من لا تروقهم كتاباته أو التحريض ضده وتلفيق الصور والكتابات المسيئة لهم بنفس التقنية التي يلعنون صناعها مستخدمين الفوتوشوب وبرامج التعديل والفبركات، ومن ناحية أخرى كانت تلك المنتديات تغص بالمعرفات الوهمية، وقلما تجد اسما حقيقيا إن لم يكن مستحيلا، فقد يستخدم شخص واحد مئات المعرفات للهجوم على مثقفين وكتاب وأدباء ومفكرين فيستخدم أحدها في الاتهام والآخر في تأكيد هذا الاتهام والآخر في إثبات التهمة بطريقة «واحد يثبت والثاني يشوت»، حتى أصبحت تلك المنتديات بؤرة من الأكاذيب والتصنيفات والعداء والاحتقان، فتدخلها وكأنك تدخل عش الدبابير أو مغارة الخفافيش. انتهى دور المنتديات منذ دخلنا في عالم الفيس بوك واليوتيوب وتويتر فتغير الزمن ولم تتغير طبائع السطو والكراهية والعدائية ضد مخالفيهم فاستمروا بنفس خصالهم وأساليبهم من اختراق وتهكير الحسابات إلى التكفير والزندقة والقذف والشتم والسباب كما يحدث الآن في تويتر. تطور الأمر من ضرب المخالفين وإغراق المنتديات واختراق الحسابات وتعدد الأسماء الوهمية لشتم المثقفين والمفكرين إلى ما هو أدهى وأمر حين بدأت بعض الحسابات في تمرير فكرة الجهاد وتجنيد الشباب وتأييد التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش ويشهد على ذلك حسابات بعض المتشددين الذين يدعمون كل مهدد لأمن الوطن، ويحضرني هنا أحدهم حين لقب البغدادي ب «حفيد الفاتحين».. وعليكم الحساب!