إيران التي تقاسمها السوفيت والبريطانيون قبيل الحرب العالمية الثانية، شهدت بعد ذلك تقاسم إقليمها الإذربيجاني بين حزب توده الشيوعي والأكراد لإنشاء دويلتيهما المستقلتين، لا تزال تعيش أزماتها السياسية مع العديد من المكونات الاجتماعية التي لا تزال ترفض الانصهار في القولب الفارسي. إقليم الأحواز أو عربستان الذي تديره إيران.. والذي هددت بريطانيا أثناء احتلالها للعراق بإلحاقه بإقليم البصرة ما لم يتراجع الشاه عن منح الامتيازات النفطية الإيرانية للاتحاد السوفيتي، لا يزال يشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وثقافيا يتلخص في رفض الوصاية الإيرانية على الإقليم، وهو ما يفسر ازدياد حالات الإعدام بحق المواطنين الأحوازيين. حسن راضي الأحوازي مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات، يستعرض في حواره مع «عكاظ» الممارسات القائمة لطمس الهوية الأحوازية، التي تبدأ بالإقصاء والتهميش وتنتهي بالتعذيب والقتل. مؤكدا أن «عاصفة الحزم» أشعلت حماسة الشعب الأحوازي لمواصلة انتفاضته في سبيل استعادة عروبته التي سلبتها الهيمنة الفارسية. تطالعنا الأنباء من حين لآخر عن إعدام العشرات من الأحوازيين، وعن تظاهرات متفرقة في إقليم الأحواز إلى أي مدى وصلت المعاناة الإنسانية في هذا الإقليم؟ معاناتنا يمكن اختزالها في المحاولات الإيرانية لطمس وجودنا العربي، وهي معاناة لا تزال مستمرة منذ عقود طويلة، فنحن كأحواز لا حقوق لنا من قبل إيران التي تحتل إقليمنا الغني لكنه يعيش واقعا من البؤس والفقر، فإقليم الأحواز يقوم بتمويل 90% من خزينة الدولة الإيرانية عبر موارد البترول والغاز والزراعة القادمة من إقليم الأحواز، ومع ذلك لا تجد في الإقليم أي من مظاهر للتنمية التي توازي دخل الإقليم، بل لا يجد المواطن الأحوازي فرص العمل أسوة بباقي الإيرانيين، رغم أن الأحوازي غير مسموح له الحديث بلغته العربية سواء أكان ذلك في المدارس أو في المراكز الثقافية أو حتى المساجد، ولا توجد له إذاعات أو صحف تصدر باللغة العربية، بل يلزم الأحوازي بتسمية أبنائه بأسماء فارسية أو أسماء عربية ذات دلالات على المذهب الشيعي، بل أن أسماء جميع المدن في إقليم الأحواز استبدلت بأسماء فارسية، بعد أن هجر منها أكثر مواطنيها، وحل محلهم المستوطنون الإيرانيون، فمن يقاوم التهجير سيجد أمامه الاعتقال أو القتل، وهي سياسات لاتنحصر معرفتها على الشعب الأحوازي بل على مستوى كافة المكونات الاجتماعية في إيران التي تكرس سياستها الداخلية على القمع ومحاربة أي تواجد يرمز للعروبة في الثقافة الإيرانية. هل يعني ذلك أن الأوضاع في إقليم الأحواز بلغت أقصى حالات الاحتقان السياسي والاجتماعي؟ الشعب العربي في الأحواز وصل إلى هذه المرحلة من الغليان بفعل الممارسات الإيرانية التي أنكرت وجوده في الحياة وحرمته من فرص الازدهار والتنمية، لذا فان الأحوازيين مقتنعون تماما أن «شرارة» واحدة يمكن أن تفجر الوضع في إقليمهم، بعد أن بلغ بهم الغليان السياسي مبلغا كبيرا، وحرموا من أبسط حقوقهم الإنسانية. فالأحوازيون لا يمر بهم أسبوع إلا ويقيمون تظاهراتهم المناوئة لإيران، أو أن يكونوا ضحايا لاعتقال الأمن الإيراني والذي يستفزه حرص الأحوازيين على اقتناء زيهم العربي الذي يؤكد هويتهم وهوية إقليمهم، وقد شهدت مدينة (السوس) تظاهرات حاشدة نجمت عن إحراق أحد الأحوازيين نفسه بسبب التعدي عليه من قبل الأمن الإيراني، أضف إلى ذلك التظاهرات المؤيدة ل«عاصفة الحزم» التي تقوم بها الدول العربية بقيادة المملكة ضد جماعة الحوثيين المؤيدة للتواجد الإيراني في اليمن، فقد أشعرت «عاصفة الحزم» الأحوازيين بالفخر والعزة لانتمائهم العروبي، وبإمكانية هزم الغطرسة والهيمنة الإيرانية التي امتدت على إقليم الأحواز لعقود طويلة، كما أن الأحوازيين اليوم أفضل بكثير عما كانوا عليه في السابق، حين كانت تقمع مظاهراتهم بكل وحشية في ظل صمت عالمي مطبق، لكن الآن وفي ظل النظام الدولي القائم ومع ثورة المعلومات والاتصالات، أصبح هناك أمل كبير في استعادة الهوية الأحوازية، ورفض كبير لكل المشاريع الإيرانية للسيطرة على إقليم الأحواز والعمل من خلال تكثيف الجهود السياسية والعسكرية لتحقيق ذلك. عادة ما تتواجد إيران في بؤر الصراع بالمنطقة، برغم أنها تستنزف اقتصاديا بسبب تدخلاتها.. لماذا؟ السبب في ذلك يعود للعقلية الفارسية التي ترى أن جميع دول المنطقة مجرد تابع ويجب أن تعود إلى حيز الامبراطورية الإيرانية، فمنذ النظام البهلوي كانت العقلية الفارسية تنادي بضم العراق والبحرين بل وجميع دول الضفة الغربية من الخليج العربي، بعد أن احتلت العديد من شعوب المنطقة كالأحوازيين والبلوش والأكراد والعديد من الإمارات كالمحمرة وهي تحتل الآن جزر أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى. وهذه العقلية لم تتغير ابدا مع مجيء الخميني وخلع الشاه من الحكم في إيران، بل لا تزال في التوسع والهيمنة على دول المنطقة، والتمكن من مقدرات شعوبها، وفي اعتقادي أن المملكة هي الهدف الأكبر للهيمنة الإيرانية، حيث المكانة الدينية التي تطمع إيران بالسيطرة عليها، وعلى الموارد الاقتصادية السعودية، وفي مقدمتها النفط. الحكومات الإيرانية المتعاقبة تكرس هذه العقلية سياسيا بالسيطرة على الداخل الإيراني من خلال الهيمنة خارجيا، ولذا تسعى الآن للحصول على القنبلة النووية باعتبار أنها امبراطورية، ولذا ستقمع أي تحرك داخلي يناوئ سياساتها باعتباره خيانة تهدد الأمن الوطني، وتخدم عملاء الخارج الذين كانوا الشيوعيين والبعثيين وأصبحوا الآن إسرائيل وأميركا. صرحت بأن عاصفة الحزم التي قادتها المملكة مع حلفائها العرب والمسلمين ضد تجمعات الحوثيين في اليمن ستنهي تسعين عاما من القمع الإيراني في إقليم الأحواز.. كيف ذلك؟ العمل العسكري ضد الحوثيين الموالين لإيران كان ضربة مباشرة للتواجد الإيراني في المنطقة وللهيمنة الإيرانية سواء في الداخل والخارج، الأمر الذي أربك إيران كثيرا، وبدأت تصريحاتهم وتصريحات حلفائهم مهزوزة، واقترنت بالانفعال والصراخ. في حين أن كثيرا من الشعوب والقوميات المحتلة من قبل إيران شعرت بحماسة كبيرة جدا، وأمل في جدوى مواصلة الكفاح المسلح ضد الانتهاكات الإيرانية بحق هوياتنا وقومياتنا الرافضة للانصهار في الثقافة الفارسية، للحصول على استقلالنا التام، وهو ما نسعى إليه في إقليم الأحواز، الذي يشهد الآن تظاهرات في كثير من مدنه وقراه بغية الحصول على استقلاله واستعادة هويته العربية.