وصف الأديب ورئيس أدبي بجدة السابق عبدالفتاح أبو مدين الانتخابات الأدبية ب «سمك لبن تمر هندي»، مفضلا مرحلة التعيين عليها، وأكد على أن الثقافة يكتنفها أعباء ثقال، وكشف أبو مدين أن الجوائز الأدبية كالبوكر والبابطين لم تخدم الأدب بقدر ما خدمت مسمياتها، كاشفا -في حواره ل «عكاظ» المتزامن مع تكريمه في ملتقى قراءة النص البارحة- عن أن وجه جدة الحالمة أصبح مجدرا.. فإلى التفاصيل: ليس غريبا أن يكرم الأديب عبدالفتاح أبو مدين فقد كُرم في عدة محافل، ولكن ماذا يعني لك هذا التكريم من ملتقى قراءة النص بالذات؟ خاصة أنه برعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؟ إن هذا التكريم وأمثاله يأتي من المتفضلين الذين يقدرون العاملين، وفي رأيي إن أي مجهود في سبيل الوطن واجب، وأذكر قولاً للملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله في مناسبة ما: «لا شكر على واجب» إذن فإن ما يؤديه أي مواطن وفيٌّ مخلص واجب الأوفياء والمخلصين لوطن عزيز كريم يفدى بالنفوس الكبار التي تعبت في مرادها الأجسام كما قيل! ملتقى قراءة النص أنتم من أسستموه، وها هو اليوم يرد بعض الفضل، ماذا يمثل لك هذا الملتقى؟ «قراءة النص» عنوان لأداء عمل قيّم اقترحه أخ وصديق عزيز هو الدكتور حسن النعمي، اقترح حين أفضل بالانضمام إلى ناديه الأدبي الثقافي بجدة حين سعيت إليه لينضم إلى نادينا فاستجاب مشكورا وسعدنا به، ومن فضل الله عليّ أني أوفق إلى اختيار رفاقي؛ لأنهم مكاسب غالية ومنهم العزيز الدكتور حسن النعمي، والمثل السائر يقول: إن اختيار الأكفاء كنز من الجنسين، فالحمد لله ذي الفضل العظيم.. وتكريمي فضل من رجال أخيار في إدارة نادي ومن الرموز الوفية التي أفضلت وتُفضل بغراس الجميل فلهم شكر لا يؤدي شيئا ولكن أقل ما فيه أنه اعتراف بالجميل؛ لأن لهم نفوسا كبارا تعبت في مرادها الأجسام. بمقارنة بسيطة بين تجربة الأندية الأدبية لما قبل الانتخابات (مرحلة التعيين) ومرحلة الانتخابات.. نلاحظ تفوقا واضحا للمرحلة السابقة. إلامَ تعزو هذه التفوق رغم أن الإمكانات كانت بسيطة؟ أنا مع المرحلة السابقة في الاختيار؛ لأن الانتخابات يعروها كثير من السلبيات حالها كما يقول إخواننا المصريون: «سمك لبن تمر هندي»! الثقافة مسلك صعب اللائحة الأدبية التي صدرت أخيرا تكاد تكون مطابقة للائحة السابقة.. برأيك ماذا ستضيف على هذه اللائحة لتلبي طموحات الأدباء والمثقفين؟ إن اللائحة الأدبية لأنديتنا لم ترقَ إلى المستوى المراد! وأكبر الظن أن الثقافة هي مغرم كما اعتدت تسميتها، ويبدو أن حال الثقافة صعبة التوجه؛ لأنه يكتنفها أعباء ثقال في الممارسة والانطلاق والانتشار! مسلك صعب لأنه عسير التحكم وانتشاره عصيب وخطير، لذلك فإن الغوص فيها صعب المخارج وتعويمها على الأنماط القائمة لا مخرج منها يقود إلى الانطلاق الذي يؤدي إلى مصاعب ومتاعب، ولعل حال التعويم هو السبيل إلى هذا المنطق السائر ربما هو ما يود أن يجنح إليه! وأنا مع الحرية الملتزمة، ولا يوجد شيء اسمه «حرية مطلقة» لأنه من المستحيل، وكما قيل: خير الأمور الوسط، وكنت أردد على أسماع وزراء الثقافة: أعطونا دعما ماليا وصلاحيات وحاسبونا، غير أننا ظللنا: مكانك قف أو وكفى إن صح هذا التعبير! انحسار الحداثة واضح وجلي في الوطن العربي، إِلامَ تعزو هذا الانحسار؟ هل يعني ذلك أن الحداثة تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ لعل المثل السائر الذي هو مشاع: «لكل زمان دولة ورجال» وهكذا كما يبدو الحياة بعامة وهي «أغيار»! ولا ضير أن «الأغيار» حال الحياة بعامة وهذه سبيلها في كل زمان ومكان! تعد مرحلة الثمانينات والتسعينات ذروة التوهج لحركة النقد، ما نلاحظه أنه خلال العقدين الأخيرين تراخت هذه الحركة مع أن روادها مازالوا حاضرين في المشهد، هل هي حال يأس أصابتهم أم اكتفوا بتنصيب أسمائهم؟ شواغل الحياة التي لا حد لها وهمومها ورحيل الأعلام في ساحات المعرفة شغل المثقفين الذين يسعون إلى الرقي المادي -إن صح هذا التعبير- والهموم صرفت الناس عن المغارم، وجنحوا يسعون إلى المغانم التي لا أخطار فيها ولا عناء وهكذا دواليك! الشهرة الرخيصة الجوائز الأدبية (البوكر، البابطين...) أنشئت لأهداف من ضمنها خدمة الأدب.. هل ترى أنها خدمت الأدب أم خدمت نفسها إعلاميا؟ هي حسنات من معطيها ولكنها لم تنهض بالأدب إلا المسميات وقليل الذين أفادتهم هذه المغانم يضاف إليها الشهرة الرخيصة والجري وراءها من كل منطلق للمال والشهرة وكل الدسم بأنواعه، ولو أن هذه الجوائز «الدسمة» أعطيت للطامحين الذي لا يجدون من يمدون أيديهم بالإنفاق على تعليمهم العالي لكان من تلك الجوائز المفيدة! وكما قيل «التوفيق عزيز». جدة مدينة الشعراء (حمزة شحاتة، العواد، الزمخشري...) تضاعفت مساحتها خلال العقدين الأخيرين، ماذا تحتاج كمدينة سياحية حالمة من وجهة نظر أدبية؟ قبل البحث عن المتطلبات الأدبية والارتقاء بالمعرفة بعد رحيل الرموز، دعني أقول: إن جدة أصبح وجهها «مجدرا» وغيرها من مدننا الكبيرة لم ترقَ بهذه الأمانات التي حراكهم لا يخرج عن «كراسيهم» في مكاتبهم الفارهة، أما أداء أماناتهم حق الوظيفة فلا تسأل ولا محاسبة لهؤلاء المسؤولين، والكاتب غازي جمجوم خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله: بمقالة في صحيفة عكاظ قبل نحو ثلاثة أعوام ونيّف: «جدة خرابة يا خادم الحرمين».