بات التعريض بالصحفيين والتشكيك في وطنيتهم أمرا ملحوظا عقب هجوم دعاة على الصحفيين واتهامهم في أكثر من موضع ب «الخيانة والنفاق»، ويبدو أن ثمة معلومات تسربت للدعاة عن ضعف موقفهم القانوني ما دفعهم إلى حذف تغريداتهم في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». ويرى صحفيون أن الهجمة تهدف في الأساس إلى إسقاط مصدقية الصحافة والإعلام بين عموم الناس، لافتين إلى أن الدعاة المسيئين لا يهدفون إلى إيصال انتقادهم للنخب، «هم لا يعنونهم لأن الكثير يعرف أهدافهم، هم يبحثون عن البسطاء». المحامي عبدالرحمن اللاحم قال في إحدى تغريداته إن «خطب الجمعة اليوم التحريضية على الإعلاميين وكتاب الرأي تطور خطير قد يهدد سلامتهم»، وانتقد في الوقت ذاته غياب وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عن التطور الطارئ في الأسبوع الماضي، قائلا «مع الأسف مازال وزير الشؤون الإسلامية في سبات عميق». أما الكاتبة شادية خزندار قالت في تغريدة لها على صفحتها الشخصية «حتى منابر بيوت الله يريدون تسييسها وتحويلها إلى منابر تخدم مصالحهم الحزبية»، فيما علق الصحفي محمد الساعد أن المساجد ليست ملكا للحزبيين السروريين. من جهته، أكد المحامي مشرف الشهري ل «عكاظ» قانونية رفع المتضررين من «الصحفيين» شكوى ضد خطباء المساجد المعرضين والشاتمين، مشيرا إلى أن تهمة التشهير ستطال المسيئين «يستطيع المتضررون رفع دعاوى قضائية ضد من دعى عليهم في الصلوات وفي المساجد». وغرد ناصر في تويتر أن «اتفاق عدد من المنابر بالدعاء على إعلاميي ومثقفي الوطن رسالة للإرهابي بالقتل وهذه مسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية». ..وإعلاميون يتجهون لمقاضاة دعاة خوّنوهم علمت «عكاظ» ترتيب صحفيين وإعلاميين أوراقهم لدفعها نحو مقاضاة من أساء لهم في وسائل التواصل الاجتماعي وأطلقوا تهما خطيرة وصلت إلى حد التخوين ووصمهم ب «النفاق» في الأسبوع الماضي. وتأتي تلك التحركات عقب هجوم دعاة على صحفيين في مواقع التواصل الاجتماعي والمشاركة بعملية منظمة تحمل «الإساءة»، بحسب ما أكده صحفيون. من جهتها أكدت هيئة الصحفيين السعوديين، عبر أمينها العام الدكتور عبدالله الجحلان ل «عكاظ»، مساندة الهيئة لأي تحرك إعلامي ضد كل من يسيء للمهنة، مشيرة إلى أن الهيئة ستدعم حتى الصحفيين غير الحاملين لعضويتها في المسائل القانونية. واعتبر الجحلان أن تخوين الصحفي أمر كبير يحتاج إلى وقفة، «ولا يقف الأمر على الهيئة أو الصحفيين، بل يفترض أن تتدخل جهات مناطة بالإشراف على الوسائط الإعلامية»، في تلميح إلى وزارة الثقافة والإعلام. وأعاد الجحلان تأكيده على وقوف الهيئة بجانب الصحفي «حتى لو لم يحمل عضوية الهيئة»، في حال حاجته للمساندة القانونية، مضيفا «الهيئة لن تبخل في الوقوف معه وهي مستعدة للمساندة القانونية لكل إساءة تمس المهنة». ورأى الجحلان أن الهيئة ليست جهة ادعاء، وأنه من المفترض أن يتقدم الأشخاص المعنيون لرفع شكوى، مشيرا إلى أن وجود اتهامات دون وثائق ومستندات نظامية مسألة خطيرة تدخل في جرائم متعددة بالنسبة للنشر الإلكتروني. ويرى صحفيون أن هيئتهم لم تكن قادرة يوما على مساندتهم في مهنتهم، وسط تشكيك من قدرة الهيئة على الدفاع عنهم وتسخير العقبات لإنجاز مهامهم، حتى أن أحدهم طالب صراحة بعدم التعويل على دور الهيئة في ظل استمرار ما أسماه «ضعف الأداء». خطيب ل«عكاظ»: حُرضت ..فرفضت هاجم خطيب جمعة في أحد مساجد الباحة عبدالمجيد الغامدي ما أسماه تنظيما يتعسكر خلف مجموعات في برنامج المحادثات الشهير«واتساب» للهجوم على «الأعداء» في خطب الجمعة والكلمات الدعوية عقب الصلوات في المساجد، لافتا إلى أنه بعد شعورهم بأن موقع التواصل الشهير «تويتر»، خلق معارضين وردود أفعال لا تقبل ما يقوم به السروريون. وفسر «ما حدث من دعاء على الإعلاميين في الآونة الأخيرة جاء بإيعاز من تنظيمات سرورية قديمة»، مشيرا إلى أنه «بالأمس كان ثمة توحيدا بين أئمة المساجد لقراءة آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صلاة المغرب في جميع مناطق المملكة، بعد أن تم الاتفاق المسبق بالدعاء على الأعداء» في إشارة إلى الصحفيين. وأشار الغامدي إلى أنه «يدين بالفضل لقينان الغامدي الذي أخرجهم مجددا»، وسرد قصة حدثت معه «بالأمس كنت مع صديق لي في جدة وصلينا خلف أحد الأئمة وسألناه لماذا لا توحدون الصف وتدعون لجنودنا في الحد الجنوبي، بينما دعوتم على الإعلاميين، فأجاب: نعم كنا متفقين، وعندما استفسرت عن الذين اتفقوا، تركني ومضى». واتهم الغامدي أشخاصا يعملون على تنسيق الهجمات في المساجد ضد خصومهم، «تلقيت بريدا من أشخاص مجهولين للدعاء على فئات محددة، وتطلب متابعة أشخاص لا أعرفها، يبدو أنها متخفية، ولابد أن تقوم بالدعاء، ومازلت محتفظا بها». وأوضح أنه«بعد أن كتب قينان عن تعليم الباحة وعن السروريين تحديدا، كلمني أحدهم محرضا أن أشارك في هذه الحملة ولكنني رفضت». «صحوي سابق»: يعملون على الفئوية ويصنفون المجتمع إلى إسلامي وآخر منابر «السروريين».. التعريض بالخصوم على محراب المساجد تحاول وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد كبح جماح مستغلي منابر المسجد لتصفية خصومهم وتعزيز الخط الأيدلويجي الذي يتبناه ما يعرف بالسروريين (نسبة إلى منهج رجل الدين السوري محمد سرور الذي قدم إلى البلاد مدرسا في المعهد العلمي في بريدة)، إذ عمدوا إلى التعريض بخصومهم وشتمهم من منابر المساجد عبر خطب الجمعة والكلمات المرتجلة بعد الصلوات المفروضة. وبحسب كتاب «زمن الصحوة» الذي أثنى عليه رموز الصحويين، فإن طلاب محمد سرور عمدوا إلى إسقاط السلفيين التقليديين بالنقد غير المباشر إلى طريقتهم في العيش، إذ كانوا يفضلون بيوت الطين على المنازل الحديثة ويتجنبون المذياع وأدوات الاتصال والسيارات. وهاجم خطيب جمعة في أحد الجوامع في جنوبجدة كتابا صحفيين والصحف السعودية بالاسم وعرض بهم، ولعل أهم الأسماء التي استهدفت في خطبته الكاتب السعودي تركي الحمد، وعرف «الخطيب» ب «الذائد عن قضايا الإسلاميين»، وتناولت مواقع التواصل الاجتماعي أخيرا مقطعا صوتيا، لإمام مسجد يدعو مباشرة على إعلاميين والصحافة، و «أن يجمد الله دماءهم في عروقهم». يؤكد إمام أحد المساجد في جنوبالرياض (فضل عدم ذكر اسمه) أنه تلقى تعميمات كثيرة من الوزارة بشأن التحذير من الدعاء على أشخاص، مضيفا «يحاولون جاهدين إبعاد المساجد والشعائر الدينية عن الصراعات الأيديولجية، ينبغي أن يكون المنبر والمسجد مستقلا عن الصراعات». يقول أحد الذين كانوا منخرطين في نشاطات السروريين سابقا (اشترط عرض شهادته دون التطرق إلى اسمه) إن عملية اختيار الأتباع كانت تتم بشكل منظم وممنهج وغير مباشر بين الطلبة المتوافدين في بداية التسعينات على بريدة، مشيرا إلى أن توافد طلبة من كافة الأعمار في المدينة يشكل «ورشة عمل للإسلاميين في تلك المرحلة». ويرى «الصحوي السابق» الذي كان يعمد إلى قطع مسافة طويلة من مدينته الواقعة في أقصى الجنوب إلى بريدة سنويا من أجل الدروس العلمية وطلب العلم الشرعي، أن الدروس العلمية كانت تناقش فكرا طاغيا في تلك المرحلة، بيد أن التجمعات الطلابية خارج الدروس العلمية يتم فيها اختيار الجماعات لكوادرها بعناية فائقة. في تسعينات القرن الماضي كانت الأوقاف المخصصة لسكن طلاب العلم مزدهرة، وكان جدول الطالب اليومي مزدحما بين زيارات ودروس علمية تتمحور على كتب سلفية رئيسة في التراث الفقهي والعقدي ك «عمدة الأحكام، العقيدة الواسطية». ويشير «الصحوي السابق» والذي يعرف نفسه بالمتأثر برموز الصحوة إلى أن أولئك الرموز عمدوا إلى تكريس المصطلحات الفئوية الخطيرة، «كانوا يسمون الهيئات والاجتماعات بالإسلامية، بالرغم أن البلد برمته إسلامي وسكانه مسلمون». وفي تلك المرحلة كانت التسجيلات الإسلامية والمطويات الدعوية نافذة رموز الصحوة لمريديهم وعامة الناس، حتى إن الشاب الذي تأثر بهم رأى أنهم لا يزالون موجودين عبر أهم مؤسستين بالنسبة لهم (المساجد والتعليم). ومنذ ثمانينات القرن الماضي وفي مدينة بريدة، اعتمدت جماعة حركية تتداخل مع جماعة الإخوان المسلمين في كثير من الأبجديات الفكرية حول المنظور الأممي ومحو القطر الوطني، على مكبرات الصوت في المساجد بعد صلاتي المغرب والعشاء، وكانت الخطة تسير وفق رؤية موحدة، الهدف الأولي كان الوصول إلى منابر المساجد وطرد الجماعات السلفية التقليدية التي كانت تعيش بمفهوم متقشف حول حتمية التطور والتعامل مع التقنية. استطاع رجل الدين السوري محمد سرور (سميت حركة محسوبة عليه باسمه) أن يؤسس لشكل جديد للداعية الإسلامي في وسط كان التدين التقليدي مهيمنا عليه، فخرج دعاة شباب حملوا الدعوة إلى الأممية بيد أن أفكارهم كانت تنتشر بسرعة لا نظير لها، ويعزو مراقبون ذلك إلى براغماتية خطابهم. وكانت التجمعات «الدعوية» تتم بشكل مؤسسي مع مكاتب الدعوة والإرشاد، ويقول «الصحوي السابق» في شهادته إن التجمعات الشبابية التي تتم خارج إطار الدروس السلفية التقليدية في المساجد تدفع إلى أيديولجيا معنية وتتم فيها نقاشات تصنيفية كثيرة، «لم نكن ندرك البعد السياسي ولا الحركي، كنا شبابا متحمسين للدين ومستعدين للتضحية من أجله، لكن أغلب الطلاب لم يكونوا مستعدين لقتل أنفسهم من أجل شخص أو فكرة ضيقة، لم نكن نجنح إلى العنف الدموي».