قريبا من خط النار في الحد الجنوبي، ومن نبض أبطال القوات المسلحة، شعرنا برهبة المكان وهيبة الرجال، تشبعنا بروح التوثب والإقدام والفخر، ونحن على الشريط الفاصل بين الحق والباطل.. حق الدفاع عن الأرض والعقيدة ومقدرات الوطن.. وباطل شرذمة من الحوثيين وأنصار المخلوع صالح، سفكوا الدماء، واستباحوا ممتلكات الناس، وهددوا سلامة الآمنين بالخطر بعد أن قصفوا الشرعية في ليل حالك السواد. لم نكن ندرك قبل وصولنا إلى خط النار، أنه وفي أجواء الحرب الحقيقية والاقتراب من خطوط العدو المعتدي، تصبح أرواحنا ودماؤنا بالنسبة لنا رخيصة مقابل حماية كل ذرة من تراب أرض الوطن الغالي. فالتعايش مع أبطال قواتنا المسلحة على حدود الوطن، شعور لا يمكن وصفه، إنها لحظات تجعلك تعرف مدى الحب والتفاني والإخلاص الذي يحمله هؤلاء الرجال في قلوبهم، ترخص أمام أعينهم كل الدنيا، في سبيل الانتصار وحماية كل من ينعم بالحياة في كل شبر من بلادنا. يضحون بأرواحهم ودمائهم فداء للدين والوطن، رجال لا يهابون الموت يتسابقون إقداما وحبا في الاستشهاد في سبيل الله، يؤمنون بقضيتهم ودورهم في نصرة المظلوم ودحر المعتدين ممن يريدون زعزعة أمننا واستقرارنا. ساعة الصفر بدأت جولتنا من مدينة جازان إلى الشريط الحدودي في الساعة الثامنة صباحا، وكان مسار الرحلة أولا إلى محافظة الحرث الحدودية، مرورا بعدد من المحافظات والقرى والبلدات الصغيرة التي يرفرف على سمائها الأمن والاطمئنان. في منتصف الطريق كان في انتظارنا أفراد من القوات المسلحة في سيارات خاصة بالجيش السعودي لتقلنا إلى الموقع الذي يوجد فيه البواسل حماة الأرض والعقيدة . هبطنا من سياراتنا الخاصة وصعدنا إلى مركباتهم، وطوال ما يقارب النصف ساعة، كان الوقت الذي يستغرقه وصولنا، طوال تلك الرحلة القصيرة كنا نلمح في وجوه الرجال البواسل علامات التفاؤل وبشارات النصر، كلماتهم لنا كانت تهدف إلى طمأنتنا ونزع أي خوف قد يخالجنا من الاقتراب من موقع يشهد مسارح المعارك، كانوا يتحدثون بكل ثقة واعتزاز، ونجحوا فعلا في تعزيز الثقة في نفوسنا، فأصبحنا في شوق كبير للوصول إلى عرين الأسود، فرغم أن وقت الوصول لا يتجاوز النصف ساعة إلا أننا كنا نشعر أن الوقت يمضي ببطء، كان إحساسنا باقتراب المكان يزيد من مشاعرنا وسعادتنا وطمأنينتنا.. كنا نرغب أن نعيش الإحساس الوطني النبيل ذاته ومعايشة التجربة على الواقع والأرض. من أنتم؟ قبل الوصول إلى قطاع الحرث الحدودي، على اليمين واليسار معدات وآليات عسكرية متنوعة تأخذ مكانها في تنظيم صارم مع جنود وضباط بمختلف الرتب، نشاهد يمنة ويسرة العديد من المعدات الحربية والعربات المجهزة والجنود بمختلف الرتب، دخلنا عالما آخر يملؤك بالحماسة وروح المغامرة، شعور بالقوة التي نمتلكها من أجل الدفاع عن الوطن، وإعلاء كلمة لا إله إلا الله خفاقة دائما. استوقفتنا نقطة أمنية، وسألوا عن سبب تواجدنا، فأخبرهم من معنا من أفراد الجيش أننا إعلاميون وأن هناك ترتيبا قد تم لهذه الزيارة التي تخولنا بالوقوف على خط النار والاقتراب من آخر نقطة تفصلنا عن العدو، فسمحوا لنا مرحبين بوجودنا، وقبل أن نكمل السير أوقوفونا أكثر من مرة في النقاط.. حرصا على سلامتنا، فشكرا لكم أيها البواسل. الوصول إلى الثكنة وصلنا إلى ثكنة عسكرية في قطاع الحرث الحدودي، الحركة دؤوبة ونشطة الكل يعمل هنا بدقة، والوقت له ثمن، أفراد من الجيش موجودون هناك وهناك يتمركزون في مواقعهم بعيون يقظة لا تنام، وآخرون يتفقدون ويتفحصون الأسلحة والآليات والذخائر، الأجهزة اللاسلكية والتواصل مع مركز العمليات ومع القادة يسيطر على المكان الحركة هنا لا تهدأ، بعضهم شعروا بوجودنا، ومع ذلك لم يشغلهم شاغل عن متابعة مهماتهم الدقيقة وكأنهم لم يجدوا متسعا من الوقت غير تلك الثواني القليلة التي سمحت لهم بالنظر إلينا. لم نر في وجوههم غير ابتسامة خاطفة تشعرك بالزهو وبالانتصار. كما هو واضح أنهم متعاونون متحابون، مخلصون، ولا يريدون ما يشغلهم عن تلك المتعة.. متعة الدفاع عن الوطن وحدوده ومقدراته. منذ لحظة وصولنا.. الدقائق البسيطة كانت كافية لنعرف من هم الرجال الذين يحمون وطننا من عبث المعتدين، من هم الأبطال الذين يفتخرون ويعتزون كثيرا بالشهادة من أجل تراب الوطن. الدقائق كانت كافية لنعرف لماذا نحن في المدن بعيدا عن خط النار، نشعر بالأمن والأمان ونعيش حياة طبيعية بل أن هناك من لا يصدق أن جنودنا البواسل في حالة حرب مع أعداء لم يستطيعوا أن يلحقوا بنا الضرر برغم محاولاتهم المستمرة والفاشلة. ترحيب وتطمين كان في استقبالنا المقدم سعد بن سعيد الشهراني قائد الاستطلاع في قطاع محافظة الحرث، رحب بنا بحرارة، وبدأ حديثه قائلا: حياكم الله واطمئنوا وتحركوا براحتكم، صحيح أننا في آخر نقطة من الشريط الحدودي وعلى خط النار، ولكن، ولله الحمد، المكان مؤمن تماما، ولا يستطيع العدو أن يقترب من الحدود حتى في داخل أراضيه، رجال القوات المسلحة وبفضل من الله استطاعوا أن يقللوا من خطورتهم بكل نجاح، وهذا بفضل الله عز وجل ثم بفضل أبطال يتسمون بالشجاعة والإخلاص وحب الوطن. تأمين الحدود استعرض المقدم الشهراني الإمكانات المتطورة التي تمتلكها القوات المسلحة بفضل الله ثم بفضل دعم قيادتنا الرشيدة. مؤكدا أن أفراد قواتنا العسكرية يتمتعون بالشجاعة والبسالة في الميدان وأثنى على مستوى التدريب المتطور الذي يتلقاه أفراد القوات المسلحة الأشاوس، بما يمكنهم من القيام بواجبهم الوطني في قتال الأعداء ودحرهم وإرجاع كيدهم إلى نحورهم. مطمئنا الجميع على أمن وسلامة الوضع على الشريط الحدودي سائلا الله تعالى أن يمد جنودنا المرابطين بنصره وتأييده. وأشار المقدم الشهراني إلى أن رجال القوات المسلحة والقطاعات الأمنية الأخرى، رجال شجعان لا يهابون أي شيء يضحون بأرواحهم فداء للوطن، فالجميع معنوياتهم عالية، ولن يسمحوا بأن يمس أي أحد ذرة واحدة من تراب وطننا الغالي بسوء. بشارات الشهادة اصطحبنا المقدم سعد الشهراني قائد الاستطلاع في قطاع محافظة الحرث، إلى مركز يطل على الأراضي اليمنية مباشرة، والتقينا بجنود القوات المسلحة هناك، يتمركزون في مواقعهم، سلمنا عليهم وسألنا الله لهم العون والنصر، كانوا في قمة التفاؤل، وسعداء بما حققوه من انتصارات، وقال أحد الجنود «تسمحوا لي أبارك».. فقلنا له تفضل قل ما تريد. فقال «أتمنى أن تصل هذه التهنئة والتبريكات لكل أسر الشهداء الذين استشهد أبناؤهم أو آباؤهم أو أقارب لهم هنا على الشريط الحدودي»، وأضاف: «والله ثم والله ثم والله إنهم ماتوا أبطالا، صدورهم مفتوحة ورؤوسهم مرفوعة بكل شجاعة لطلقات وقذائف المعتدي الغادرة، والله لم يخافوا ولو للحظة واحدة، بل كانوا يتمنون الشهادة وأكرمهم الله بها، وهذا فضل من الله يتمناه كل واحد فينا هنا نحن جنود القوات المسلحة». تحركات العدو ونحن نسير برفقة المقدم الشهراني وبعض ضباط وأفراد القوات المسلحة في جولتنا على عدد من المراكز الحدودية في قطاع الحرث، طلب منا المقدم الشهراني فجأة التراجع إلى الخلف والجلوس في نقطة أكثر أمنا حددها لنا، كان حريصا على سلامتنا ووجودنا في ذلك المكان بأسرع ما يمكن، ما أثار القلق في نفوسنا قليلا، وحقيقة لا أستطيع أن أنكر هذا الشعور الغريب علينا كمدنيين، لاسيما أننا على خط النار وفي موقع قريب من المواقع التي يكمن فيها العدو دائما، وطلب المقدم الشهراني من أحد الضباط اصطحابنا إلى مكان ليس بعيدا عن خط النار لكنه محصن أكثر، فذهب بنا سريعا إلى هناك. خطر وقلق بعد دقائق عاد إلينا المقدم الشهراني وهو يرسم ابتسامة عريضة على وجهه، اعتذر منا وأخبرنا أن إحدى الفرق رصدت تحركات لعدد من ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح تحاول الاقتراب من الحدود، وأكد أنه لن يصيبنا أي مكروه بفضل الله أولا ثم بفضل الاستعدادات ويقظة رجال القوات المسلحة، مشيرا إلى أنه أمر يحدث في أوقات كثيرة ويتم التعامل معه وفق الخطط المعدة التي تم التدرب عليها جيدا. ولكن كيف تم تعامل رجال القوات المسلحة مع تلك العناصر التي تحاول الاقتراب والتسلل نحو الحدود؟. غدا «عكاظ» ترصد بالصورة تصدي أبطال القوات المسلحة لعبث ميليشيات الحوثي وصالح