يصنف اللاعب الدولي السابق سعيد غراب على أنه جزء لا يتجزأ من تاريخ الكرة السعودية، ورقم مهم في قائمة أساطيرها المحفورة في ذاكرة النقاد والرياضيين منذ العقود الاولى، ويعد واحدا من أفضل لاعبي كرة القدم الخليجية بحسب المؤرخين والنقاد، حيث ما زال رقمه القياسي لعدد الأهداف المسجلة في مباراة واحدة البالغ 8 أهداف صامدا منذ العام 1389هجرية. ارتدى شعاري الاتحاد والنصر في الزمن الجميل، ولعب لهما في حقبة مهمة ووضع بصمة في الدوري السعودي جعلته من بين عباقرة الكرة الذين لا يشق لهم غبار في تلك الحقبة. ذاع صيته بين أقرانه وكان النجم الخارق والأول، لقب ب«العقاب» و«الدكتور» و«المهندس»، ولفت الأنظار إليه بقوة ركلاته وحضوره القوي وحسمه للمباريات. في هذا الحوار نفتح معه بعض الملفات القديمة ونسلط الضوء على الواقع الحالي لرياضتنا، فإلى التفاصيل: الحديث عنك ومحاورتك تستدعي إرثا عظيما من التاريخ الرياضي للكرة السعودية، بصراحة هل تشعر أن جيلكم ما زال حيا في ذاكرة الناس؟ بلا شك أنه حاضر وبقوة، فما حفر في الذاكرة لن ينسى. جيلي هو من وضع أسس الكرة في بلادي وهو قاعدة الجيل الذي حقق الإنجازات العظيمة لاحقا، ونحن كنا وبمن سبقنا كسرنا حواجز الظروف الصعبة وأسسنا المفاهيم الأولى للتنافس الرياضي في مجال كرة القدم في المملكة العربية السعودية. حدثنا عن دوركم في تلك الحقبة المهمة من تاريخنا الكروي؟ نحن حلقة في سلسلة من الأجيال التي تعاقبت على خدمة رياضتنا، كما أن التاريخ لا يكذب، فهو لا ينسى. وجيلنا أدى دوره وما عليه، وهذه هي سنة الحياة نعمل ويأتي بعدنا من يؤدي دوره، ولكن يكفينا أننا جزء ممن ساهموا في بناء هذه المنظومة الرياضية الكبيرة. كان جيلنا يلاعب التراب والكرة ويصارع الحاجة والإبداع ويحترم قيمة التنافس والمنافسة. هل تشعر بالجحود بعد كل هذه السنوات؟ الإنصاف جميل ومن المهم أن يشعر به جيلنا. للأسف هناك رموز كبيرة ما زال الإعلام مقصرا معهم حتى بعد رحيلهم، فلماذا لم تقم الرئاسة العامة لرعاية الشباب والأندية بتكريمهم ولو بإطلاق أسمائهم على بعض المقار والملاعب والصالات تقديرا لهم؟ نحن فعلا نفتقر لمثل هذه البادرات الإيجابية. أطلقت عليك الكثير من الألقاب، ما هو الأقرب منها إليك؟ بلا شك هو سعيد عقاب الذي أطلقه علي الملك فيصل رحمه الله، ووصف الأمير فيصل بن فهد لي بأنني ثروة تشبه البترول، والعديد من الألقاب التي أطلقها بعض الإعلاميين والنقاد مثل؛ الدكتور والمهندس والجلاد، وهي بالنسبة لي ألقاب عزيزة لي، وأوسمة أعتز بها أمام الآجيال اللاحقة، وأحمد الله على أن تركت للأجيال اللاحقة ما يذكرهم بي. كيف ترى الواقع الرياضي، وهل فعلا رياضتنا تمر بمنعطف خطير؟ منذ رحيل الأمير فيصل بن فهد ورياضتنا تتراجع بشكل واضح، بلغنا الذروة عام 1994 في كأس العالم ولم نعد قادرين على تحقيق إنجاز مماثل. وأستحضر زمن الأمير فيصل بن فهد رحمه الله ونائبه سلطان بن فهد، شخصيتان قويتان كان لهما وقعهما على انضباط اللجان واللاعبين والأندية على حد سواء، واختلف الحال منذ رحيلهما عن اتحاد الكرة ولم يعد الزمن هو ذاته. وبصراحة الاتحاد السعودي الحالي يفتقد للحزم والسيطرة على اللجان المفتقرة للخبرة والحيوية، كما أن طيبة أحمد عيد لا تنفع مع بعض الأعضاء. وما ينقص رياضتنا هو وجود رئيس حازم وشخصية قوية تقود اللجان وتطورها وتفرض عليها قرارات صارمة بالقانون، لإعادة هيبة وهوية الكرة السعودية من جديد. خروج المنتخب الأولمبي كان صادما، برأيك ما سبب ذلك؟ الشارع الرياضي فقد الثقة في المنتخبات السعودية بقرارات غريبة، فالتوقيت الذي أوكل فيه اتحاد القدم المهمة للهولندي كوستر بديلا للوطني الجعيثن قبل أيام من البطولة تسبب في هذا الخروج، فإعداد المنتخب فنيا من حيث الاختيار والمباريات الودية لإيجاد تجانس بين اللاعبين كان على يد الجعيثن، وغياب التخطيط ساهم في تراجع النتائج مع كل أسف، لم تكن المشكلة في المنتخب على المستوى الفني فقط بل أعتقد أن ذلك وصل إلى المستوى الإداري من خلال عدم تهيئة اللاعبين نفسيا وبث روح الإصرار والحماس لديهم وهو ما لم نشاهده في هذه البطولة. هذا يعني أنك تدعم المدرب الوطني؟ نعم وبشدة.. امنحوا الفرصة للمدرب الوطني وستعود رياضتنا. هل تتذكرون خليل الزياني والخراشي وناصر الجوهر وما قدموه للمنتخبات السعودية، هل تذكرون نجاحاتهم المشهودة على مستوى القارة والعالم؟ المدرب الوطني للأسف مهضوم حقه مع أنديتنا فلا يجد الفرصة ولا التشجيع، ثم بدأ يفقد فرصته مع المنتخبات بلا ذنب. وأنا شخصية شهدت هيئة الاتحاد البرازيلي على قدراتي، وأملك شهادات تدريب عالية في مجال كرة القدم، وأعمل مستشارا في جامعة الملك عبدالعزيز، إلا أنني لن أعرض نفسي على أي ناد أو أبحث عمن يسوق لي خبرتي، فالأبواب مفتوحة لمن أراد الاستفادة من المدرب الوطني ودعمه الذي لا يسير حاله بالشكل المطلوب في السعودية نتيجة لأسباب كثيرة، منها ما يخص المدرب نفسه، ومنها ما يتعلق بأصحاب القرار في الأندية، ولو منح المدرب الوطني الفرصة كما الأجنبي لصب ذلك في مصلحة المنتخبات الوطنية والمدربين السعوديين أنفسهم وهو ما يدل على وجود خلل في المنظومة الرياضية، وتعال على المدرب الذي له فضل كبير في صنع تاريخنا الرياضي العريق. وهل ينطبق على الحكم ما ينطبق على المدرب السعودي؟ التحكيم السعودي جزء من المنظومة، ويمر بمرحلة صعبة في ظل موجة الأعذار التي تقدمها الأندية لجمهورها. هناك أسماء صاعدة لو منحت فرصتها لوجدنا أكثر من حكم مميز يحتاج إلى الخبرة.. فالتحكيم لدينا بحاجة صبر ودعم وإلى ضخ دماء جديدة حتى يأخذ الحكام فرصتهم بعيدا عن تخبطات التعصب وشحن الجماهير ضدهم. لن نتطور ونحن لا نثق في بعضنا.. فقدنا المدربين الوطنيين وسنفقد الحكام وربما نفقد حضورنا على المستوى الخارجي كمنتخبات وفرق، إن لم نحتف بمواهبنا ونبعدها عن التعصب.