خلال الثلاثة أشهر الماضية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها مشاهد للإسراف والاستعراض المرئي لمفهوم «الكرم» والذي يطلق عليه في الأوساط المجتمعية داخل المملكة ب«الهياط»، وتناقل السعوديون مقاطع «الهياط» بسخرية وتندر، وأطلق شباب على مثل هذه التصرفات مسمى «الضجيج الذي يتبعه هياط»، حتى أن شرطة الرياض أعلنت أمس الأول عن إلقاء القبض على شباب أنتجوا مقطعا يظهر أبا يقتل ابنه ليغسل ضيوفه أيديهم بدمه. يرى مراقبون أن ظاهرة الإسراف ليست وليدة الثلاثة أشهر الماضية، بيد أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في إخراجها إلى السطح، مستشهدين بالأرقام الفلكية التي تعلن عنها جمعيات حفظ الطعام في مناطق المملكة المتعددة، والتي عادة تستقبلها من الفائض من ولائم الأفراح في المواسم والعطلات. الأرقام المعلنة من جمعيات «حفظ الطعام» ضخمة وتشير إلى ارتفاع مقارنة بالأعوام الماضية، حتى أن مسؤولون قالوا ل«عكاظ» إن فائض الأطعمة في العاصمة المقدسة والمدينةالمنورة بلغت خلال العام الماضي أكثر من ثلاثة آلاف طن، مشيرين إلى أنه تم الاستفادة من 600 طن فقط في توزيعه على الفقراء بواقع 1.5 مليون وجبة. من جهته، يوضح مدير مشروع «حفظ النعمة» في العاصمة المقدسة أحمد المطرفي أنهم استطاعوا توزيع مليون وجبة في العام الماضي بواسطة 35 مركبة وأكثر من 45 موظف، مضيفا: «نخرج يوميا من المنطقة المركزية في مكةالمكرمة بقرابة ألف وجبة، وفي العام قبل الماضي أخرجنا نصف مليون وجبة، وأن فائض الأطعمة غير المستفاد منها ولا تصلح للاستعمال الآدمي يزيد على ثلاثة أطنان، فقط في الأربعة أشهر الأولى من هذا العام وصلنا إلى توزيع 500 ألف وجبة». ويرى المطرفي أن المجتمع السعودي لديه كرم مبطن بالإسراف، مشددا على ضرورة تجنب العادات الموغلة في الإسراف والتبذير «الأمر لا يتعلق بمستوى الدخل، فالاستراحات التي يستخدمها عادة أصحاب الدخل المحدود، تخرج أكثر مما يستخدمه الأثرياء في القاعات الفارهة». ويضيف المطرفي أن اللجوء إلى نظام البوفيهات المفتوحة أفضل من الطريقة التقليدية في الولائم من جهة الإسراف وفائض الطعام، مشيرا إلى أن نظام الولائم الشعبية «المفاطيح» ونحوها يعد هدرا ل«النعمة»، لأن الفائض من هذه الولائم صعب تخزينها وحفظها «نحن نعاني في مجتمعنا السعودي من الإسراف، وباتت معظم الولائم في وقتنا الحالي بمثابة الرياء ومحاولة كسب السمعة وغيرها». مدير جمعية «حفظ النعمة» في المدينةالمنورة فهد الأحمدي يبين ل«عكاظ» أن جمعيته توفر يوميا بمعدل 337 وجبة، فيما بلغ الفائض من الأطعمة 76 طنا، ووصل عدد الأسر المحتاجة والمسجلة في الجمعية 203 أسر (560 فردا)، مشيرا إلى أنهم وزعوا أكثر من 187 ألف وجبة منذ انطلاقهم. وندد الأحمدي بما ينتجه البذخ من فائض طعام لا يصلح للاستهلاك البشري، معتبرا الإسراف إحدى الآفات التي تنتشر في المجتمع إما بسبب العادات أو الجهل بالطرق الصحيحة في إعداد الكميات المناسبة للطعام حسب الاحتياج الفعلي، أو البذخ والتبذير غير المبرر سواء أنه من الغفلة أو بطر النعمة.