مثلما يتحدث الشباب السعوديون الذين يرون أن واقعا حاليا لا بد أن يشهد عمليات تطوير واسعة، تحدث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حوار يمكن القول بأنه الأبرز والأهم في مرحلته.. فبعد أيام يسيرة فقط من أحد أهم الأحداث السياسية التي تشهدها المنطقة والمتمثلة في اللغة والموقف الدبلوماسي الصادر من المملكة تجاه إيران وقطع العلاقات، بعد أن أطلق نظام طهران عصاباته على السفارة والقنصلية السعودية في كل من طهران ومشهد احتجاجا، وبعد أيام يسيرة أيضا من إعلان الميزانية العامة للمملكة بكل ما فيها من تحديات وإنجازات.. بعد هذين الحدثين الضخمين على المستوى الإقليمي وعلى المستوى المحلي، يأتي هذا الحوار الذي مثل جانبا من المرآة السعودية التي ينظر من خلالها السعوديون لأنفسهم واقعا وتطلعا.. كل ذلك بالطبع، بعد قرابة عام مليء بالأحداث في المملكة، هذا العام كانت فيه المملكة اللاعب الأبرز وعنصر التأثير الأضخم، ولأول مرة ربما، دولة عربية تقود تحالفات تؤثر في واقع المنطقة، وتخلص اليمن من اللحاق بمصير دول أخرى بالمنطقة وتكسر حلم العاصمة العربية الرابعة الخاضعة لإيران. جاء حوار سمو ولي ولي العهد مع مجلة الإيكونومست بمثابة تلخيص للعام المنصرم كأحد أكثر الأعوام سخونة وازدحاما بالأحداث والتحولات، فعلى الصعيد الاقتصادي شهدت المملكة تحديا واضحا تمثل في تراجع أسعار النفط، وقد بالغ العالم وبالغنا نحن في الداخل أيضا في إشاعة جو من الذعر والتوجس والقلق، وجاءت الميزانية مخالفة للتوقعات بما فيها توقعات صندوق النقد الدولي، ليأتي حوار الإيكونومست كاشفا عما يمكن تسميته بعوامل الثقة القائمة في الاقتصاد السعودي، فعلى مستوى الثروات الطبيعية كشف الحوار عما تملكه المملكة من مخزون هائل من اليورانيوم يقدر بستة بالمئة من احتياطي العالم، إضافة إلى الفرص الواسعة في مجال التعدين. ولي ولي العهد وهو يؤكد قدرة الاقتصاد السعودي على تحقيق مئة مليار دولار من عائدات غير نفطية والسعي لإدخال أصول جديدة لخزينة الدولة تقدر بأربعمائة مليار دولار على مدى السنوات القريبة القادمة، إنما يواصل إعلان العمل على واقع اقتصادي جديد يصبح النفط فيه إحدى السلع والمصادر وليس الوحيد، ويتأتى ذلك من خلال مقدرات هائلة تمتلكها البلاد ويمكن أن تحدث تغيرا نوعيا وهائلا ليس فقط في الدخل، بل في العمل والإنتاج والتنمية والمجتمع. في الجانب السياسي، لم يكن ما قاله الأمير محمد بن سلمان عبارة عن تراجع أو تهدئة، خاصة أثناء حديثه عن إيران، بل هو انعكاس للسياسة السعودية التي ظلت طوال تاريخها أبعد ما تكون عن لغة التصعيد واللغة العدائية، فالسياسة السعودية لم يحدث أن كانت مصدر أزمة أو منطلق صراع في المنطقة. اعتدي على حدودنا في حرب الخليج، واعتدي على حدودنا في العام 2009، وأرادت ميليشيا إيرانية مسلحة اختطاف اليمن بالكامل وتهديد حدودنا وتوجيه أسلحتها نحو المملكة، ولم يحدث حتى قبل هذه الأحداث وقبل قرار التصدي لها أن أخرجت السياسة السعودية خطابا تصعيديا أو منفعلا، ولأنها دولة مؤسسات كما قال ولي ولي العهد، فقرار الحرب والسلم والتصعيد ليس ناتجا عن مواقف شخصية وليس بطولات فردية، إنه ناتج عن عمل مؤسسي تشترك فيه كل الوزارات المعنية ويتوج بقرار الملك. يقول الأمير محمد بن سلمان في ذات الحوار: من يدفع باتجاه الحرب مع إيران فهو ليس في كامل قواه العقلية، لأن الحرب تعني كارثة كبرى في المنطقة.. صحيح.. وأضيف: ولكننا إذا ما تعرض أمننا لأي تهديد فنحن قادرون ومؤمنون ومستعدون للرد والمواجهة، والنصر بإذن الله. [email protected]