هناك أفكار عديدة تمر بالفرد وفق أيدلوجية أو بحثه عن المعرفة.. والأفكار الأيدلوجية تنمي الانتماء وتربط السلوك للدفاع عن أهداف المجموعة المنتمي إليها الفرد، وهذه الأفكار من أشد الأبواب التي تسد عنك رؤية الآخرين بل تحاصرك داخل أهداف لا تؤمن بسواها، وغالبا ما يلجأ المنتمون لأي أيدلوجيا إلى العنف عندما تحاصر أهدافهم أو كشف سوء الأهداف القائمة على نقض عرى المجتمع بالتبديل أو الإحلال. وطبيعة كل فكر هي طبيعة تفويضية قائمة على الاجتثاث ما كان قائما لكي يحل محله، وفي الأفكار الإنسانية التي تتخذ من أسس الخير والعدل والمساواة حيزا جوهرا لكي يتشارك الجميع في بذر تلك الأفكار.. بينما تؤسس الأفكار السياسية على إسقاط النظام وإحلال نظام حتى وإن اتخذ من رداء رفاهية الإنسان شعارا له.. ولأننا تربينا على الفكر الإخواني من خلال الكتب والمحاضرات والاحتفاء برموزه وتقديمهم في كل محفل ديني أو ثقافي، لازال هذا الفكر يسكن صدور الكثيرين، ولم يكشف زيف أفكار الإخوان إلا بعد سنوات من بسط أفكارهم على معظم العالم الإسلامي -والعربي تحديدا- وكانت ثورات الربيع كاشفة للمخطط الإخواني بإسقاط الأنظمة العربية وعدم الاعتراف بالوطن الإقليمي والسعي إلى إحلال الخلافة الإسلامية على أن يكونوا هم من يدير هذه الخلافة، وقد ظهر عنف الإخوان في جميع الدول التي ساهموا في ثوراتها إلا أن سقوطهم في مصر -معقل وجودهم- دعا الكثيرين لكشف الملفات السرية لهذه الجماعة وإلقاء الضوء على العنف الذي حملته أدبياتهم.. ولأن أفضل وسيلة لمحاربة الأفكار السياسية الساعية إلى استبدال نظام بنظام هو كشف زيف تلك الأفكار واستعراض أفكارها ورموزها.. ولأن الإخوان المسلمين تواجدوا منذ ثمانين سنة استطاعوا خلالها التغلغل والتمكن من مفاصل عديدة وبنوا أعشاشهم في عقول كثيرة وزرعوا عنفهم في قلوب أغلبية المنتمين لنهجهم. وبما أن وزارة التعليم ألقت على كاهلها تنظيف المكتبات المدرسية من كتب الإخوان المسلمين, كما ورد في «عكاظ» في عددي أمس وأمس الأول، يصبح على الوزارة أن لا تأخذ أمر التنظيف بالجزئية فما ينطبق على مكتبات المدارس يجب أن يشمل المكتبات الجامعية وعدم اقتصار تنظيف المكتبات المدرسية، وتتكون خطورة كتب الإخوان على طلاب الجامعة وخاصة على كليات الشرعية، ولو قمنا بإحصاء كليات الشريعة في جميع المملكة فسوف نجد أعدادا من الطلاب وأعدادا من المدرسين الذين عبروا أو أقاموا في تلك الكتب، وإذا كانت الخطوة الأولى تنظيف المكتبات المدرسية والجامعية فلا بد من أن تنشط مؤسسات الدولة وفي مقدمتها وزارة الثقافة والإعلام وفروعها من تلفاز وإذاعة وأندية أدبية وجمعيات ثقافة ومعارض كتب وكذلك مهرجان الجنادرية والحوار الوطني وأنشطة وزارة التعليم.. على كل هذه الأجهزة أن تقيم المحاضرات وتكشف الأسرار عن أفكار الإخوان وتقف على أهدافه وأدبياته.. فمجهود ثمانين سنة من التغلغل الإخواني لن ينتهي من خلال تنظيف الكتب ثم ماذا عن العقول التي ارتهنت لذلك النهج وارتضت بالعنف في تحقيق أهدافها... فالأفكار السياسة داء يصيب الصدور وليست كالأفكار الإنسانية التي تصيب العقول وتسعى لبذر قيم الخير والجمال والعدل.