(1) يسألونك بعيدا عن الجهات التي تدفعك إلى التهلكة، إلى قبر تطهر بملح جنوبي سوف تختزل الهزيمة ثم ترمي بها للغيب. لا يعدو الأمر أكثر من غيبوبة، أو لغو، يهذي به السفهاء في ساعة الاحتلام. يسألونك: عن المخيلة حين تفيض عن الحاجة، عن الكتابة إذ تباغتك دون مبررات وجودية، ثم تبعث بالكائنات الخفية من لوحها الأبدي. ماذا ستأخذ من ذاكرة مستباحة، ذاكرة مطلية بالغبار، والتفاصيل الحامضة، من زنزانة تدربك على الجلوس مع الأشباح. كأن البلاغة ليست بكامل لياقتها، أو أنك مقسوم بين المصائد، وصلصال التشابه. في الجهة المقابلة للبيت، كانت تتدلى أقدام الموت، وأياد مصابة بهوس أعمى. (2) في غفلة من العائلة بكل ما ادخرته من سخط تعوي الكلمات في الثلث الأول من الليل كلمات، أيقظتك باكرا في غفلة من العائلة نبهتك على الألم الأليف ألم يحتفي بالبكاء ألم عاهر يتوضأ بالخسارة ألم مثلك، مصاب بالهذيان المزمن مع أن هناك سماء تستدرج الشمس للفتنة سماء تحتضن مخاض الهواء، وهو يصرخ من الوجع سماء لا تمدح الأسلاف سماء لا تزور أغاني البلاد في غرف مضاءة بالنميمة والكهرباء. الآن لم يعد لك غير هذي السماء. (3) الظهيرة أوت الظهيرة إلى الظل. ما من شك في أنها كانت ترتجف، متشبثة بميراثها الغائب، بما تناثر من نيرانها المرهقة. وحدها كانت تبصر المسافة بينك وبين شراسة الانتظار فيما تستر عورتها بأصابعها المنسية، بالأبواب المفتوحة للرذيلة. كانت تمضي جهة الحنين بخطوات مرتبكة لم يكلف أحد نفسه عناء الكلام حين احتكمت إلى اللهفة وأسرت حديثا أشبه بالفحيح حديثا كان يحشد حمرته، حديثا يفيض بالفاقة والأجنحة الرخوة، حديثا مهدور الدم، مذ كانت الشمس تحزم أمتعتها وتستعد للسفر.