يشكل جسر الجمرات منظومة متكاملة الخدمات للتيسير على ضيوف الرحمن في رمي الجمرات، بعد أن كانت هذه الشعيرة تمثل هاجسا للجهات المعنية بسبب التدافع والزحام، لتصبح منشأة الجمرات منجزا حضاريا عملاقا، تصعب مجاراته، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته مع مشروع آخر، وذلك مع انتهاء المرحلة الأخيرة من المشروع التطويري الجديد للجسر. ويقف اليوم بمستوياته الستة التي تشمل القبو والطابق الأرضي والطوابق الأربعة العليا التي روعي في تصميمها وإدارتها كافة المعايير الخاصة بتدفق الحجاج، وفق دراسات وبحوث علمية مستمرة، شارك في تنفيذها نخبة من الخبراء المحليين والعالميين، بهدف تحسين كفاءة التفويج للمنشأة واستكمال مشاريع البنية التحتية لتحقيق هذا الهدف على ضوء التجارب العلمية والمحاكاة. هذا المشروع العملاق وضعته الدولة السعودية على عاتقها ليتناسب مع الزيادة الكبيرة لعدد الحجاج وقد صمم ليتحمل 12 طابقا، واكثر من 5 ملايين حاج في المستقبل، وتبلغ الطاقة الاستيعابية له 300 ألف حاج في الساعة، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع أكثر من 6 مليارات. وتحولت منشأة الجمرات بعد الانتهاء من هذا المشروع الفريد من نوعه إلى مدينة عمرانية متفردة في تصميمها العمراني والهندسي، اسهمت في حل المشكلات الناجمة عن الزحام الشديد عند الرمي، حيث كانت منطقة الجمرات تشهد في اعوام ماضية تدافع الحجاج عند الرمي وازدحامهم. ومع تزايد عدد الحجاج عاما بعد آخر اهتمت الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن في المملكة بتذليل الصعوبات الناجمة عن هذه الحشود المتزايدة، وإتاحة رمي الجمرات الثلاث بشكل مريح وآمن. وتم بناء أول جسر للجمرات من دورين في عام 1975م لتسهيل رمي الجمرات؛ لكن مع زيادة أعداد الحجاج، أصبح هذا الجسر لا يكفي لاستيعاب الأعداد المتزايدة كل عام، لذا قررت المملكة العربية السعودية هدم الجسر بعد أداء مناسك الحج عام 2006م، واستبداله ببناء منشأة جديدة للجمرات متعددة الأدوار، لاستيعاب أعداد أكبر من الحجاج، وتسهيل عملية رمي الجمرات وانسيابيتها بأمن وسلامة. وبلغ طول جسر الجمرات الجديد 950 مترا وعرضه 80 مترا، ويتألف من خمسة طوابق يبلغ ارتفاع كل طابق 12 مترا، وله 12 مدخلا و12 مخرجا من الاتجاهات الأربعة، بالإضافة إلى منافذ للطوارئ على أساس تفويج 300 ألف حاج في الساعة. كما يشتمل على كاميرات مراقبة تعمل باستمرار في جميع أنحاء المنشأة وفي منطقة تدفق الحشود، لتسهم في مراقبة حركة الحجاج، ونقل صورة مباشرة لمساعدة الفريق المساند للجسر، وتعزيز السلامة، وتوفير الخدمات الطبية العاجلة عند الحاجة، كما يوجد مهبط للطائرات المروحية لحالات الطوارئ. ويحتوي مشروع جسر الجمرات أيضا على نظام تكييف معزز برشاشات مياه تساعد على تلطيف الجو والتقليل من درجة الحرارة إلى حوالى 29 درجة مئوية، وفي المستوى الخامس من المنشأة تمت إضافة مظلات كبيرة لتغطية كل موقع من مواقع الجمرات الثلاث، وذلك لتعزيز راحة الحجاج وحمايتهم من أشعة الشمس. وروعي في إنشائه نمط جديد من الهندسة النوعية التي توفر أهدافا أساسية لانسيابية حركة الحجاج ضمن ظروف آمنة ومريحة تحقق لهم السلامة والراحة خلال أدائهم هذا النسك، إضافة إلى خفض كثافة الحجاج عند مداخل الجسر، وذلك بتعدد المداخل وتباعدها مما يسهم في تفتيت الكتل البشرية عند المداخل، وتسهيل وصول الحجاج إلى الجمرات من الجهة التي قدموا منها، وتوفير وسائل السلامة والخدمات المساندة أثناء تأدية ضيوف الرحمن لنسك رمي جمرة العقبة يوم العيد، ورمي الجمار أيام التشريق. وكان مشروع منشأة الجمرات الحديثة قد فاز موخرا بجائزة «فرانس إيدل مان أوارد» الأمريكية لأفضل البحوث التطبيقية والتشغيلية ضمن 6 مشاريع حصلت على الجائزة لعام 2015م، من بين مئات المشاريع التي تم ترشيحها من جميع دول العالم. وجاء حصول المشروع على الجائزة تميزا لمواصفاته الهندسية والإنشائية وخطط تشغيله وحداثة وشمولية الأبحاث التطبيقية والخطط التشغيلية للمشروع في مجال إدارة الحشود البشرية وتفويج ملايين الحجاج لرمي الجمرات بكل يسر وسهولة وبأعلى درجات السلامة والأمان، بالإضافة إلى ما حققه هذا المشروع العملاق من نتائج مبهرة في تقليص المخاطر المرتبطة بتزاحم وتدافع الحجيج أثناء رمي الجمرات. وجاءت هذه الجائزة، كاعترافا دوليا بضخامة جهود المملكة في خدمة حجاج بيت الله الحرام وتأمين سلامتهم، التي تحظى بالدعم والرعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وشهادة على تميز أداء الوزارة في تنفيذ المشروع والإشراف على تشغيله في موسم الحج من كل عام. والمشروع الذي تم إنجازه خلال الفترة من 1427 – 1431ه يمكن أكثر من 500 ألف حاج من رمي الجمرات خلال ساعة واحدة ومن ثم تيسير أداء هذا النسك لجميع الحجاج بكل يسر وسهولة.