إن الاقتصاد الخفي يعد من الظواهر المعقدة التي تضم الكثير من الجوانب المختلفة والمتشابكة والتي تحتاج إلى درجة أكبر من التحليل والفهم، ويضم مجموعة مختلفة من الأنشطة التي تشترك في محاولة التهرب الضريبي أو الحاجة إلى تجنب القيود الروتينية الموضوعة على عملية ممارسة النشاط الاقتصادي. غير أن هناك جانبا لا يمكن إهماله من الأنشطة التي تتم في هذا الاقتصاد بسبب الطبيعة الخاصة لهذه الأنشطة والتي تعد مخالفة للقانون. على سبيل المثال، فإن أنشطة الرشوة والعمولات والسرقة وبيع السلع المسروقة وتجارة المخدرات وأنشطة التهريب السلعي وتهريب الأموال إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الأنشطة المخالفة للقانون قد تمثل جانبا لا يمكن إهماله. إن الاقتصاد الخفي يحقق إيرادات ومكاسب كبيرة لفئة من الناس تقدر بمليارات الريالات، ولكن على حساب الدخل القومي، كما يؤدي إلى آثار اجتماعية سيئة جدا، من أبرزها زيادة الغني غِنى وزيادة الفقير فقرا كما يسبب سوء توزيع للموارد بين الناس. إن من أبرز أسباب الاقتصاد الخفي ارتفاع نسبة الفساد الأخلاقي والإداري والبيروقراطية والتعقيد في القطاعات الحكومية والخاصة، وسوء تأويل وتفسير القانونيين، وارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض دخل الفرد، وعدم الرضا الوظيفي، وارتفاع نسبة البطالة، وعدم فاعلية الأجهزة الرقابية في كشف العاملين في الاقتصاد الخفي، إما بسبب الاتكالية أو لقلة الإمكانات المالية والبشرية. وكشفت تقديرات اقتصادية عن ارتفاع حجم الاقتصاد الخفي بالمملكة العام الحالي إلى 549 مليار ريال وتناميه خلال السنوات الأخيرة، والذي يعد من ضمن موارده التهرب الضريبي (الزكاة)، بالإضافة إلى الأنشطة المخالفة للقوانين مثل عمليات الرشوة، العمولات، بيع السلع المسروقة، تجارة المخدرات، تهريب السلع والأموال. ويتضمن الاقتصاد الخفي الأرقام غير المحسوبة في إجمالي الناتج المحلي لإخفائها باستعمال الأموال النقدية بدلا من الحسابات الجارية، وتؤكد معظم الدراسات أن السياسات الاقتصادية تكون أكثر فعالية كلما صغر حجم الاقتصاد الخفي. القضاء على الاقتصاد الخفي شبه مستحيل، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، وسوف يبقى موازيا للاقتصاد الرسمي، لكن العلاج يكمن في معرفة أسباب ظهوره والعوامل الداعمة لنموه بدلا من التعامل مع أعراضه فقط. ومن الحلول السليمة هي التي تتفهم الأسباب التي أدت إلى نمو الاقتصاد الخفي، ومن ثم وضع الحواجز غير المحفزة أمام الراغبين في الدخول إلى هذا الاقتصاد. وكذلك زيادة جاذبية الاقتصاد الرسمي إلى الدرجة التي تلغي أهمية الدخول أو الاستمرار في الاقتصاد الخفي، من خلال تسهيل الإجراءات والتمويل وخلق الفرص وخفض التكاليف نسبيا، حتى تصبح منافع الدخول إلى الاقتصاد الخفي هامشية.