ماذا تريد إيران الحالية من المنطقة والعالم؟! سؤال يمكن وضعه في عدة صيغ أخرى، منها: ما هي أهم «أهداف» السياسة الخارجية لإيران، في الآماد المختلفة، تجاه المنطقة بخاصة، والعالم بصفة عامة؟! لا يمكن في الواقع الإجابة على هذا التساؤل بموضوعية وصراحة، دون أن نأخذ في الاعتبار طبيعة النظام السياسي الثيوقراطي الإيراني الحالي. وكذلك القومية «الفارسية»، والمذهب الصفوي، بمفهومه الخمينى..... ف«القومية» شعور طبيعي لدى كل الجماعات الإنسانية. ويصعب غالبا التخلص من تداعياته السلبية على البشر. أما «المذهبية» غير المنظمة، فيمكن أن تكون أشد وأخطر.... لأنها في الغالب تبغض ولا تحبب، وتفرق ولا توحد. وغالبا ما تقوم على المبدأ سيئ الذكر: «من ليس معي، فهو ضدي». وقد ابتلى العالم الإسلامي بالمذهبية منذ فجر الإسلام.. فانقسم إلى شيع وطوائف متناحرة، أو شبه متناحرة، أو «مختلفة» في أحسن الأحوال. وليس الدين الإسلامي وحده الذي يعانى من هذه الفرقة.. فكل دين آخر يعانى تقريبا من ذات البلاء، وإن بدرجات متفاوتة أقل، مع افتراض أن «الغالبية» في كل دين تمثله، أكثر من غيرها. لذلك، تظل المذهبية وخاصة تلك المتجسدة في الصفوية وسبل التعامل (السليم) معها، من أهم التحديات (الفكرية) التي يواجهها عالمنا الإسلامي، منذ قرون. **** إيران تريد باختصار فرض سيادتها (بقيادة فارسية) على المنطقة.. وأن تصبح القوة العالمية الكبرى المتحدثة باسم صفويي العالم. بل إن هناك من مفكريها وعلمائها من ينادى بأن تتولى ايران عنوة قيادة العالم الإسلامي، بكل مذاهبه..؟! إن من حق أى دولة أن تكون لها أهدافها الخاصة، داخل وخارج حدودها، ولكن من حق المتضررين من تلك «الأهداف» أن يقاوموا، بكل وسائل المقاومة الممكنة.. حماية لبقائهم، ومصالحهم، وهوياتهم هم أيضا. يعتقد الاستراتيجيون الإيرانيون كما يبدو أن «مجال» دولتهم الحيوي (المباشر) يمتد من: شرق أفغانستان حتى تخوم البحر الأبيض المتوسط. وهم يريدون سيادة صفوية بقيادة فارسية، غير مباشرة على كل هذا المجال. ويعتبرون جنوبالعراق أهم امتداد لهم، بعد إيران ذاتها. لذلك، فإنهم يصرون على ضمان أن ما يتم في هذه البقعة يتمشى مع أهدافهم، ومصالحهم؟! والارتباط المذهبي لجنوبالعراقبالإيرانيين يدفع الأخيرين إلى استمرار الإصرار على هذا الهدف، كما يسهل لهم إمكانات تحققه. وقس على ذلك.. في المناطق التي يشكل الصفيون فيها أغلبية. وهناك من الاستراتيجيين الأمريكيين من ينادى بضرورة أن تشجع الولاياتالمتحدة قيام تكتل صفوي (محدود القوة والنفوذ) ليواجه التكتل السني، ويقارعه.. الأمر الذي سيؤدى إلى إضعاف الجناحين الإسلاميين. وهذا يصب كما يقولون في «مصلحة أمريكا». ولا يستبعد بناء على معطيات الواقع السياسي الراهن أخذ الإدارة الأمريكية بالفعل بهذه المشورة، ومباركتها الصامتة لهذه الفكرة. ***** إن أهم أهداف السياسة الخارجية الإيرانية الراهنة تضعها مباشرة في مواجهة (صراعية) مع العرب السنة، ومع أمريكا أيضا إلى حد كبير. هذا إذا استبعدنا وجود «تنسيق» سري أمريكي إيراني خفي.. يتيح لإيران المضي في إقامة «الهلال الصفوي» المنتظر.. فأمريكا تعتبر الهيمنة على هذه المنطقة هدفا استراتيجيا.. لا يمكن التساهل فيه.. مهما كلف الأمر.. لأن السيطرة عليها تضمن لأمريكا استمرار الهيمنة على العالم.. عبر التحكم في قلبه وفى أهم مصادر الطاقة فيه. وقد دخلت إيران بالفعل في صراع ظاهر مع أمريكا. وزاد هذا الصراع حدة طموحات إيران النووية.. كما تفاقم هذا الخلاف نتيجة تدخل ايران السافر وتواجدها المكثف في العراق وغيره. ولكن هذا التدخل يجب أن ينظر إليه في إطاره العام.. وفى «البانوراما» التي محورها هذا القطر العربي الجريح. وهذا التدخل يسأل عنه أولا من غزا العراق واحتله ودمره. لقد وضعت أمريكاالعراق والمنطقة في فوضى غير خلاقة... بل فوضى زادت طين العراق والمنطقة بلة... ماؤها عكر... لأنه قد مزج قصدا بالمذهبية المدمرة، والطائفية المقيتة؟! ورغم الاتفاق النووي الأخير بين إيران ودول الغرب المتنفذ، إلا أن علاقات إيرانبأمريكا والغرب ما زال يهيمن عليها الصراع، أكثر من التعاون. وذلك بسبب: «استمرار سياسات إيران على ما هي عليه الآن» كما قال كيري وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا.