اتفق عدد من العلماء والمختصين في الشريعة، على جواز عدم التضحية بالإبل، في إطار درء المفاسد، وتقديم المنفعة العامة، والمصلحة الكبرى في الحفاظ على صحة وسلامة حجاج بيت الله الحرام. وأكدوا أنه في حال ثبوت الضرر من الإبل، فإنه يحق لوزارة الصحة منع الأضحية بالإبل في موسم الحج، ومنع وجود الإبل ضمن الهدي والأضاحي في المشاعر المقدسة، لافتين إلى أهمية العناية بصحة وسلامة الحجيج وحمايتهم من أية أخطار صحية أو بيئية وغيرها. وقالوا ل «عكاظ»: إن هذا القرار تحقيق للمصلحة ودفع للمفسدة وهو بذلك يحقق قاعدة شرعية أصيلة، الأمر الذي يتحقق به حماية الحجاج من أية أخطار محتملة لاقدر الله، مشيرين في ذات الوقت إلى أن وجود البدائل الأخرى يجعل من الأضحية أمرا متيسرا بالنسبة للحجيج. بداية أكد عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للفتوى الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ أن مسألة منع الحجاج من التضحية بالإبل من اختصاص ولي الأمر فهو يطلع على ما لا يعرفه عامة الناس، مشيرا إلى أنه إذا كانت لديه من المبررات ما يدعوه لمثل هذا فهذا يتحقق فيه دفع المفسدة عن الناس وجلب المصلحة لهم فقد يرى أن يمنع ذلك لهذا الغرض، وهناك بدائل متوفرة ولله الحمد كالبقر والغنم. وبين أنه إذا ثبت فعلا أن الإبل مصدر للفيروس فإن على المسؤولين تجنيب مسالخ الحجاج الإبل، دفعا للضرر والشر عنهم، مشيرا إلى عدم وجود أي مانع أو إشكالية في اتخاذ البدائل، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين وذبح من البقر، فإذا تأكد أن الابل فيها إشكال وتحمل المرض وفيها ضرر على الناس فيمنعه ولي الامر، ونحن ولله الحمد في بحبوحة من العيش ويمكننا الذهاب إلى البدائل المذكورة المتوفرة. وأردف: إذا ثبت لدى وزارة الصحة فعلا أو غلب على ظنها أن الإبل ناقل لهذا المرض فهي معنية بالمنع، ولذلك جاء في الشرع منع ورود الصحيح على المريض حتى لا تنتقل الأمراض إلى الأصحاء، فالمسألة سهلة جدا ولا تحتاج هذا لتضخيم، وعلى الجميع مراعاة ذلك وعدم تغليب المصلحة الخاصة على مصلحة عموم الناس. العناية بالحجاج من جهته قال أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان: العناية بالحج والحجاج والعناية بالصحة والاهتمام بها ومكافحة الأوبئة وغير ذلك من الأمور واجبة على الجهات المسؤولة في الدولة، وعليهم أن يوفروا للحجاج أجواء طيبة نظيفة خالية من الأمراض والأوبئة وغير ذلك، وعلى المواطنين والوافدين من الحجاج وغيرهم التعاون مع الجهات المسؤولة في تحقيق هذا المطلب وأن تصبح المشاعر والحرمان وغيرهما مما يحتاجه الحجاج للإقامة فيه والتجول في نواحيه وغير ذلك أن يكون بينهم تعاون محسوس وملموس والاستجابة لتوجيهات الدولة بناء على المصادر الصحية وغير ذلك مما هو كله مصلحة للحجاج وفائدة لهم، وإذا كان وزير الصحة تعرض لهذه النقطة وهو إبعاد الإبل عن الحجاج وألا يضحوا بها وكان ذلك مبنيا على تقارير طبية ورؤية واضحة ومصلحة تحقق للحجاج دفع الضرر فإن هذا جائز لأن الجهات المسؤولة ووزارة الصحة وغيرها لا تحرم التضحية بالإبل ولا يتناولون موضوع وجودها بين الناس، وإنما هم منعوا ذلك مؤقتا لأجل الحجاج ومصلحتهم خوفا عليهم من أي مسبب للمرض، وهذا أمر مستهدف ومطلوب أن نعنى بحجاج بيت الله الحرام وأن نوفر لهم الأجواء الطيبة لمكافحة جميع ما يتنافى مع نظافة الجو وطهارة المكان وإزالة كل ما يضايق الحجاج من روائح أو غير ذلك وأن يكون الحجاج والمواطنون جميعا متعاونين مع الدولة على ما تصبو إليه في أن يكون الحج نظيفا وبعيدا عن كل ما يضايق الحجاج ويؤذيهم. مصلحة ظاهرة ويؤكد عضو هيئة التدريس في المعهد العالي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور هشام بن عبدالملك آل الشيخ، أن السنة النبوية حافلة بالعديد من النصوص التي تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين، فكانت الأولى عنه وآل بيته والثانية عمن لم يضحِ من أمته صلى الله عليه وسلم وهي سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة. وأوضح أن أهل العلم أجازوا الأضحية من بهيمة الانعام كالبقر والابل وتجزئ الابل والبقرة عن سبعة لكن لو حصل هناك آفة معينة في أي نوع منها، ويقرر ولي الأمر منع ذلك النوع من بهيمة الأنعام ففي ذلك مصلحة ظاهرة وواضحة، ونقول إن السنة أن يضحي المسلم بما ضحى به النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما ثبت ضرره فيترك حتى يزول الضرر ويتأكد من سلامة الإبل وخلوها من الآفة. درء المفاسد وقال وكيل كلية الشريعة بجامعة أم القرى الدكتور محمد السهلي إن الشريعة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصلحة، لافتا إلى أنه من حق ولي الأمر منع أي أمر فيه ضرر وتقديم أي أمر فيه مصلحة، وهذا ما يتقرر شرعا على جميع المسؤولين وأهل الحل والعقد، ثم على الناس أن يمتثلوا أمر الله تعالى في قوله : (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك). وأضاف: من ذلك ما قالت به وزارة الصحة بمنع الهدي في الحج من الإبل والحمد لله فلدينا بدائل فإن البدنة تشمل البقر والابل وهي تكفي سبعة من الرجال فإذا منع في هذا العام ذبح الإبل فهناك بدائل كأن يذبح كل فرد من الغنم بمفرده، أو يشترك سبعة في البقر فالأمر واسع بفضل الله بل لو الإنسان توفر لديه المال ولكن لم يجد هديا يذبحه فإنه ينتقل بعد ذلك إلى الصيام. وأردف: الحمد لله إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وهي تنشد السلامة لأتباعها فهذا القرار صائب بإذن الله من جميع الجهات إذا تقرر وتبين أن هناك قرائن تدل على حصول الضرر من وراء وجود الإبل حتى وإن لم تصل إلى التأكيد فإنه يتعين على ولي الأمر أن يمنع كل طريق لحصول المفسدة لاسيما أن الحجيج يجتمعون بأعداد كبيرة في المشاعر ومكة فهذا القرار موفق ومسدد بل يتعين على وزير الصحة والجهات المعنية أن تتخذ الاحتياطات اللازمة في كل ما يمنع الأذى والضرر للحجاج حتى لو كان ذلك بمنع جميع الأنعام لو استلزم الأمر، ونذكر بالخيارات الثلاثة المتاحة للحاج غير الإبل الغنم والبقر والصوم.. مشروع الهدي والأضاحي: لم يصلنا قرار رسمي حتى الآن أكد المشرف العام على مشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي التابع للبنك الإسلامي للتنمية المهندس موسى بن علي العكاسي، أنه لم يرد إلى المشروع أي تعليمات بخصوص استبعاد الإبل من قائمة الأنعام التي يضحي بها الحجاج في هذا الموسم، لافتا إلى أن الجميع قرأ فقط في وسائل الإعلام هذا التوجه دون أن يكون هناك تبليغ رسمي بهذا الخصوص. قال: كانت هناك شائعات العام الماضي بذات الخصوص لكن شيئا لم يحصل بشأنها، مشددا على أن المشروع سيتبع ما تقرره الجهات المختصة ومنها وزارة الصحة حرصا منها على إنفاذ كل ما يختص بسلامة الحجاج سواء فيما يتعلق بالأضاحي أو الصدقات وغير ذلك. وأضاف: نحن نتخذ التدابير اللازمة لحماية الحجاج دائما ضمن مشروعنا، ولدينا إجراءات مشددة جدا في التعامل مع بهيمة الأنعام ودخولها إلى المشاعر ومكة المكرمة، كما نتبع الشروط المتكاملة المتفق عليها مع الجهات المعنية لتحقيق سلامة الحجاج.. تخوف من رفع أسعار البدائل تخوف مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور عياض بن نامي السلمي، من أن يسفر قرار منع التضحية بالإبل في ارتفاع أسعار بقية الأنعام ارتفاعا كبيرا، مؤكدا أنه الأجدى أن تعرض على متخصص لفحصها فإن ثبت وجود الفيروس فإنها تتلف ولا تباع، هذا إذا تبين فعلا أن لها أثرا كبيرا في ذلك، وهذا يحتاج إلى يقين أو شبه يقين، وعلينا تكثيف الأبحاث التي تكون مجدية في التعرف على سبب الفيروس وعلاجه. وقال إن قرار المنع بيد ولي الأمر أو من ينيبه كوزير الصحة باعتباره نائبا عن الملك في هذا الخصوص، مبينا أن جواز المنع مرتبط بتحقق حصول الضرر لا التوهم فحسب، وما يصل من تقارير إعلامية عن تسبب الإبل في الإصابة بفيروس كورونا مجرد مؤشرات، وهذه مفسدة متوهمة ولا تعطى حكما ولا تقدم على مصالح متحققة، وهي التضحية بالإبل..