هلكني أحدهم من إدمانه على شرب القهوة، فهو يتناول في اليوم الواحد بدون مبالغة ما معدله عشرة فناجين من القهوة، وكثيرا ما كان يحرضني على أن أسلك مسلكه. غير أنني لله في لله لا أطيق أن أكون عبدا لأي عادة أو إدمان، وإذا قدر لي أن أرتشف فنجالا من القهوة العربية مثلا فلا أستطيبها إلا مع شق تمرة واحده لا غير، أو إذا ساعدني الحظ وعزمني أحدهم في مطعم باريسي على وليمة (قورميه) مع كأس من عصير العنب الأحمر الطازج، ساعتها وبعد أن أفرغ من الطعام وأضع منديل المائدة على جنب، يحلو لي أن أطلب فنجانا من قهوة (الإكسبرسو) المركزة مع إشعالي لسيجارة أطفئها قبل أن تنتصف، وكان الله يحب المحسنين. وهذا يدل دلالة قاطعة على مزاجي المعتدل في كل شيء. أعود لمدمن القهوة الذي التقيته في لندن، وأخذني معه إلى متجر (هارفي نكلز)، واتجه إلى طلبات القهوة وحاول أن يغريني بشربها معه، واعتذرت له بكل لطف، وتعجبت ولا أقول صعقت عندما شاهدته يدفع ثمنا لفنجان القهوة بأكثر من (60) جنيها – أي ما يعادل (400 ريال) -، وعندما كنا خارجين لمته على هذا البطر، فتبسم مستخفا بعقلي وهو يقول: ألا تعلم أن هذه القهوة النادرة هي (kopi luwak) ؟!، فمططت شفتي السفلى لا العليا علامة أنني لا أعلم. وعرفت منه أخيرا أنها اشتقت اسمها من حيوان ليلي في اندونيسيا يطلق عليه (لواك)، وإذا أردتم أن تزيدوا من ثقافتكم، فاقرأوا معي عن كنه ذلك الحيوان وتلك القهوة النادرة والباهظة الثمن: ذلك الحيوان هو أشبه ما يكون بالقط البري، وتلك القهوة إنما هي مستخرجة من فضلاته أي برازه أعزكم الله، وهو يقوم ببلع حبوب القهوة التي تكون أشبه بحبات التوت الأحمر، وبواسطة إنزيمات فريدة من نوعها ومواد كيميائية تفرزها معدته تتخمر تلك الحبوب وتتفكك بروتيناتها عند مرورها في جهازه الهضمي مما يجعل حبوب القهوة بمعدل كافيين رائع لا يمكن الحصول عليه بالطرق التقليدية، ولكي يزيد من ثقافتي أردف قائلا: لا تستغرب فقد تكون تلك القهوة جديدة على مسامع الكثيرين من أمثالك، ولكنها تعتبر قديمة جدا في إندونيسيا وتحديدا في جزيرة (بالي) التي تنتجها وتصدرها حاليا إلى عدد من الدول في أوروبا والشرق الأوسط، إذ يعود تاريخ هذه القهوة إلى القرن الثامن عشر، عندما كانت الجزيرة تحت الاستعمار الهولندي. لا أكذب عليكم انه بعد أن انتهي من شرحه وكلامه الممل، حتى (حامت كبدي)، واتجهت لا شعوريا إلى الحمام لكي أستفرغ. وأرجوكم المعذرة على كتابتي لهذا الموضوع الذي (يفتح النفس) ويجبرها على الركض سريعا ناحية الحمام، ولكن على الأقل ذوقوا من القرف مثلما ذقت أنا.