القرار الذي تزمع وزارة التعليم اتخاذه بافتتاح فصول لتحفيظ القرآن بالمدارس، أحدث لغطا وتباينا في الآراء وردات الفعل بين معارض ومؤيد، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك من يصفه بأنه انتكاسة قد تعيد فتح الباب مرة أخرى للمتشددين الذين عاثوا بعقول الناشئة والشباب ردحا من الزمن. وبالمقابل، استبشر الطرف الآخر بهذا القرار، واتهموا خصومهم بكراهية القرآن والدين (!!). والواقع أنه لا هؤلاء على صواب، ولا أولئك أيضا على صواب. وفي يقيني أن الجميع يؤمنون بأن القرآن الكريم هو ربيع قلوبهم وعقولهم أيضا، ولكن خانهم التعبير أو التناول. وأعجبتني الدكتورة (عزيزه المانع) بمنطقها الذي تناولت فيه هذا الموضوع الحساس، فهي ترى أن فتح تلك الفصول يغني عن مدارس تحفيظ القرآن الموجودة حاليا خارج رقابة وزارة التعليم. وإنني أؤيدها في ذلك، فخير لنا أن يتفقه أبناؤنا تحت أعيننا في فصول الدراسة، بدلا من أن يعبث في عقولهم من في قلوبهم مرض خارج المدارس الحكومية، فالناس ليسوا كلهم ملائكة، تماما مثل الابن الذي يحصل على تربيته الصالحة في بيت أهله، خير من الابن الذي يتركه أهله ليتربى في الشوارع على أيدي كل من هب ودب. وللأسف أن بعض التيارات المشبوهة التي تعرفونها كلكم قد استغلت هذا الهدف النبيل، وراحت تحقن عقول الناشئة بتعاليم متطرفة ما أنزل الله بها من سلطان، وأصبحت بالفعل حاضنة لتفريخ جيل مشوه يتعاطف مع الإرهاب (العدمي)، وما أسهل الإغراءات التي يطرحونها لدخول الجنة، وكأن هؤلاء الخبثاء هم وحدهم الذين يملكون مفاتيحها. مر على تلك المدارس التي تتستر وترفع زورا وبهتانا لافتة (تحفيظ القرآن)، طوال ما يقارب ثلاثة عقود، وجرت خلالها مياه كثيرة من تحتنا ونحن مخدرون ومستسلمون، إلى أن بدأت النتائج السيئة الكارثية تؤتي أكلها، مثلما نرى اليوم شبابا في أعمار الزهور يفجرون أنفسهم ولا يتورعون عن قتل حتى أقاربهم، وكادت الرحمة تنتزع من قلوبهم. وها أنتم تشاهدون وتقرأون عن من ذهبت حياتهم هدرا في بلاد كثيرة من حولنا، أو من انتهكوا حرمة المساجد في بلادنا وقتلوا في داخلها المصلين الذين يطلبون مغفرة الله في ركوعهم وسجودهم، وإلى الآن ما زالت وسائل الأمن تكتشف أعدادا كبيرة من الشباب الذين يأتمرون بمنظمات إرهابية غامضة، وينفذون أوامرهم وكأنهم عميان معتوهون طمس الله على عقولهم وقلوبهم. فكفانا عشرات الأعوام، ذبحنا فيها أنفسنا بأيدينا من الوريد إلى الوريد عن طيب خاطر، ولا أقول عن غباء منقطع النظير. كلنا حفظنا في بيوتنا قصار السور قبل أن ندخل الصفوف الابتدائية، وكلنا عرفنا أن من أحيا نفسا كأنه أحيا الناس جميعا، وكلنا أحببنا نبينا نبي الرحمة الذي قال: إن امرأة دخلت النار لأنها حبست هرة، ورجلا عاصيا دخل الجنة لأنه سقى كلبا عطشانا على وشك الموت. أما (بروفسورات الدواعش) الذين لعبوا بعقول بعض شبابنا، نحن عندهم أحط قدرا حتى من الهررة والكلاب. وهم بدون شك، هم الأحط منها.