يعتبر مسلسل بين السرايات، واحدا من المسلسلات الهامة التي تم تقديمها هذا العام، من خلال تناوله موضوعا حساسا مستخدما منطقة بين السرايات الملاصقة لجامعة القاهرة لتقديم مجموعة من التناقضات، وكيف تحولت هذه المنطقة من موقع مهم لجامعة القاهرة التي تخرج فيها أقطاب علمية وأدبية كبيرة إلى مكان لتصدير العشوائية، يعج بالخروج عن التقاليد والقيم، ويختزل فيه العلم لأكشاك لتصوير مستندات الطلبة والتجارة في الورق والكتب والدروس الخصوصية، وهو ما يبرر أغنية التترات التي تتساءل (احنا في زمن العلوم ولا في زمن العوالم)، حيث تتحول مشاهد الأرستقراطية وحفلات التخرج في «بين السرايات» التي يحمل اسمها دلالة عصر القصور لمشاهد الجهلاء وهم يتصدرون مواقع ونواصي العلوم مع تغيرات أساسية في بنية المكان وجغرافيته، وشكل سكانه ولهجتهم هؤلاء الذين صار كل راس مالهم (ما تجبلي من الآخر)، وهو توصيف لحالة الناس الآن، وطبعا ليس في بين السرايات فقط بل في أغلب مصر. وداخل المسلسل سوف نلمح رصدا واضحا لهذه التحولات عبر الأفراح الشعبية، حيث تسود ثقافة الاستعراض والبذخ، وتتحول الاحتفالات لمهرجانات لاحتساء الخمور والمخدرات والرقص الخارج، ويتحول الأمر كله لحالة من الغيبوبة، وهي مشاهد تذكرنا لنفس المؤلف والمخرج (أحمد عبدالله وسامح عبدالعزيز)، بفيلميهما الفرح وكباريه، حيث تتشابه العشوائيات الاخلاقية والاجتماعية وتسود ثقافة تغييب الوعي والتكالب على المال والتنازل عن قيم كثيرة مقابل ذلك. والأهم أن المسلسل يرصد تحول أصحاب هذه الأكشاك (تصوير الكتب والمستندات) إلى امبراطورية اقتصادية تتحكم في أساتذة الجامعة الذين يعملون عند هؤلاء باعتبارهم سماسرة لهذا النوع الجديد من التعليم، فنرى الأستاذ يتسول الطلبة من هذه المافيا التي صارت تتحكم في عملية التعليم برمتها، بينما نرى شابا مثل (سليمان) تخرج في كلية الآداب لكنه يضطر للعمل كبائع للفئران والحشرات التي يستخدمها طلبة كلية الطب والعلوم في دراستهم. ويستخدم المؤلف والمخرج خيطا رئيسيا لكل هذه الأفكار والمعاني، وهو قصة (مخلص) الذي له حظ من اسمه صاحب أحد هذه الأكشاك الطيب والمتدين بالفطرة الذي يحلم بإنجاب طفل وهو ما لم تنجح فيه زوجته سمر، التي توافق على اختيار زوجة أخرى له هي قمر تختارها بنفسها لتحقق حلم زوجها من شدة حبها له، لكن الغيرة تدب في قلبها بعد ذلك، وعلى جانب آخر نرى شقيقه محروس الذي يشاركه محل التصوير ويسعى لتبرير سرقة شقيقه بإلحاح من زوجته وبحجة أن أولاده أولى، ليدخل الصراع بين الخير والشر فاصلا جديدا في عمل درامي تنبع أهميته من ذلك الإنذار الخطير الذي يوجهه لما حدث للعملية التعليمية والأخلاقية في مصر وكيف تحولت مثل كل شيء من وسيلة للتنوير والتقدم بالمجتمع لوسيلة لتحقيق الربح وباي ثمن دون مراعاة لأي قيم وليتحول التاريخ كما تقول أغنية التترات من (من زمن العلوم.. لزمن العوالم). أما الميزة الأخرى في بين السرايات فهو تقديمه لمجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة واعادة اكتشاف وجوه قديمة، وعلى راسهم باسم سمرة الذي نراه في ثوب مختلف تماما عما تعودنا أن نراه، حيث شخصية الطيب البسيط الذي لديه الكثير من القيم الفطرية التي نجحت في حمايته من السقوط في معظم التحولات التي طالت الآخرين وإن لم يسلم من أذاهم. يعيب العمل وكمعظم مسلسلات رمضان المط والتطويل والألفاظ الخادشة، وتكريس ثقافة الهبوط عبر الشخصيات، ومشاهد الأفراح الشعبية التي صارت لازمة في معظم المسلسلات بل والأفلام المصرية في السنوات الأخيرة. مسلسل بين السرايات من بطولة: باسم سمرة، روجينا، سيمون، صبري فواز، نسرين أمين، عمرو عابد، سيد رجب، محمد الشرنوبي وأيتن عامر، من تأليف أحمد عبدالله، وإخراج سامح عبدالعزيز، وإنتاج جمال العدل.