كنت أفتش عن بارقة أمل في العيد، في مقابل هذه المآسي والنكبات التي تلف العديد من بلاد العرب والمسلمين تحت طائلة الكراهية، فوجدتها. نقل إلينا الصديق والكاتب محمد الحمزة على تويتر صورة للأب ميشيل فرج أيوب وهو يمارس مشاركة رمزية مع مواطنيه وجيرانه المسلمين، حيث يقرع الطبلة كمسحراتي ليوقظهم للسحور، ولا بد أنه سيوقظهم بهذا الحب والتسامح ليوم العيد ويشاركهم أطباقهم وضحكات صغارهم وابتسامات عجائزهم. وهكذا هم، أيضا، المسلمون جيران ميشيل أيوب الذين يبادلونه حبا بحب وتسامحا بتسامح. لكن من ليسوا ميشيل ولا جيرانه المسلمين هم أولئك الذين وزعوا التفجيرات والموت والكراهية حتى في صبيحة يوم العيد، لا لشيء سوى أنهم غير قادرين على تصور وجود قلوب بيضاء تحتويهم ويحتوونها لأنهم إخوان في الدين أو نظراء في الخلق. تربى هؤلاء الشباب على حقن ضخمة من التشدد والتطرف فأصبحوا قنابل متحركة تحرق كل شيء حتى أرواحها ذاتها التي تسفح، بهذه البساطة، في سبيل تأكيد مواقف الكره والعنف ضد الآخر. حين يكبر الشاب على أن من عداه (كافر) حياته وروحه ورقبته حلال فلن نتوقع منه غير ما يحدث الآن من موجة الإرهاب التي تقتلع طمأنينة الناس وأمانهم في أوطانهم، إلى الدرجة التي يقتل فيها رجال أمننا بدم أبرد من الثلج، حتى وصل الأمر إلى أن يقتل شاب خاله ثم يفجر نفسه ويغضب الله وأمه التي فطر قلبها عليه وعلى أخيها، وكل ذلك باسم الدين والدفاع عن حياضه وحماية بيضته، فأي دين هذا الذي يزعمون ومن أين جاءوا به.؟! نحن لا نعرف دينا يفجر المساجد بالمصلين ويمزق أجساد المحتفلين بعيد المسلمين وينزع الأرحام والأنساب بمثل هذه الصورة البشعة. هذا دين اخترعته زوايا الظلام التي عششت فيها خفافيش التزمت والتطرف ووصايات (الإيمان) التي توزع على الناس بحسب قربهم أو بعدهم من هذه الزوايا شديدة الضيق وشديدة التخلف. ولذلك أصبح اكتشاف نفوس طيبة متسامحة ومحبة غريبا ونادرا وسط كل هذا الكره وهذا العنف والقتل المجاني الذي يرتكبه المتطرفون والإرهابيون على مدار الساعة. لذلك، وهذا نداء ربما للمرة المليون، لا بد لعالمنا العربي والإسلامي، وللعالم أجمع، أن يعيد قراءة إنسانيته ويضبط إيقاعها من جديد على أساس من قدسية روح الإنسان وعصمة دمه وحياته، وهذا لن يحدث أبدا إذا لم تهدم أوكار الظلام وتجفف منابع الأفكار الشاذة بدون مواربات أو تبريرات، على عالمنا أن يعترف بأنه ارتكب أخطاء فادحة حين مد البساط للتطرف وتساهل مع المتطرفين.