استفاد الجميع من الشهر الفضيل من كافة النواحي النفسية والاجتماعية وغير ذلك، ولعل المرضى النفسيين كانوا أكثر استفادة من الصيام، حيث تشير بعض الدراسات التي أجريت على مرضى نفسيين مصابين باضطرابات مزاجية، إلى أن رمضان صاحبه تحسن إيجابي في الحالة العامة للمرضى، كما أن بعض الدراسات الأخرى التي أجريت على مرضى نفسيين آخرين بينت استقرار الحالة النفسية للمرضى، بعدم اقتصار المريض النفسي على صيام رمضان كمجرد امتناع عن الطعام والشراب، ولكن الاندماج في التجربة الروحانية بكاملها، واستغلال الأجواء الرمضانية الاجتماعية لتعزيز الدعم العائلي للمريض، والانتظام على الخطة العلاجية خلال رمضان، وضبط مواعيد الجرعات الدوائية مع الطبيب وفقا لمواعيد الصيام إذا أمكن، كما أن الصيام في رمضان ساعد على تحسين ثقة المريض في نفسه وممارسته لعمل يقربه من الله يساعده على تقدير الذات بشكل أكبر. ولم تقتصر فوائد الشهر الفضيل على المرضى النفسيين، بل امتد أثر ذلك على الأفراد الآخرين، فمثلا نجد أن الضغوط النفسية هي من أبرز المشكلات التي يعاني منها البعض، ويصاحبها شعور بالقلق والتوتر، وهذه الضغوط لا تعد مرضا نفسيا بالمعنى العلمي ما دامت لا تؤثر على قدرة الإنسان الوظيفية والاجتماعية، وفي الشهر الفضيل تكون هذه الضغوط النفسية قابلة للتحسن بشكل كبير، كما نجد أن شهر الصيام يقوي الصحة النفسية للأسرة ككل، ويزيد من ترابطها وتماسكها، فشهر الصوم له أثره على ربط أفراد الأسرة بعضهم ببعض؛ حيث يجتمعون معا عند الإفطار والسحور، وتتجمع الأسر وهي تستعد للصلاة، وقد ترى بعض الأسر وقد تجمعوا يقرؤون القرآن ويتدارسون معانيه في حلقات جمعية تزيد من تعلق بعضهم ببعض، وهذا التغيير في نظام الأسرة وزيادة التقارب والتفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة، وبينها وبين غيرها من الأسر القريبة، له أثره على الصحة النفسية للأسرة، فيسودها التوافق والمحبة والرحمة والعطف والحنان؛ مما ينعكس على المجتمع كله بالطمأنينة والأمن والصحة النفسية العامة. كما يساعد الصوم في علاج الوساوس القهرية التي يعاني منها عدد كبير من الناس، والتي تكون في صورة تكرار بعض الأفعال بدافع الشك المرضي مثل وسواس النظافة، الذي يتضمن تكرار الاغتسال للتخلص من وهم القذارة والتلوث، وهناك الأفكار الوسواسية حول أمور دينية أو جنسية أو أفكار سخيفة تتسلط على المرضى ولا يكون بوسعهم التخلص منها، ويسهِم الصوم في تقوية إرادة هؤلاء المرضى، واستبدال اهتمامهم بهذه الأوهام ليحل محلها الانشغال بالعبادات وممارسة طقوس الصيام والصلوات والذكر؛ مما يعطي دفعة داخلية تساعد المريض على التغلب على تسلط الوساوس المرضية. وأخيرا.. فإن شهر رمضان بما يتضمنه من نظام شامل يلقي بظلاله على الجميع حين يصومون خلال النهار، وتتميز سلوكياتهم عموما بالالتزام بالعبادات والتقرب إلى الله، وتعم مظاهر التراحم بين الناس مما يبعث على الهدوء النفسي والخروج من دائرة الهموم النفسية المعتادة التي تمثل معاناة للمرضى النفسيين فيسهم هذا التغيير الإيجابي في حدوث تحسن في حياتهم النفسية ، لذا فإن على الجميع أن يستفيدوا من حكمة الصيام وأن لا يتناسوا كل الفضائل الجميلة والدروس المستفادة بعد انتهاء الشهر الفضيل. * أخصائي الطب النفسي