الكبد أحد الأعضاء الحيوية التي لا تستقيم حياة الإنسان بدونها، فهي مصنع لكثير من المواد الهامة في الجسم مثل عوامل تخثر الدم والبروتينات والمواد المساعدة في المناعة والدهون، وتقوم بتخزين السكر وإفرازه في الدم وتصنيعه عند الحاجة، وتقوم بتكوين الصفراء وإفرازها للمساعدة في الهضم، كما تخزن الفتيامينات والحديد النحاس ولها دور هام في تجهيز المخلفات الكيميائية والسموم لإخراجها في الصفراء أو عن طريق الكليتين. وقد جعل الله تكوين الكبد دقيقا مناسبا لعملها فهي مكونة من وحدة مجهرية تمر فيها فروع الوريد البابي الكبدي الذي يحمل المواد الغذائية من القناة الهضمية كما يغذيها شريان يحمل الدم المؤكسد، ويخرج منها بالاتجاه الآخر فروع الأوردة الدقيقة حاملة المواد التي صنعتها الكبد تجاه القلب إلى جميع الجسم، كما تمر فروع القنوات الصفراوية متجهة نحو القناة الهضمية، وعندما يحصل التهاب شديد في الكبد يقضي على أجزاء كبيرة من خلاياها، وتتجدد هذه الخلايا ولكن الأجزاء الجديدة لا تملك الترتيب البديع والمسارات الانسيابية في خلايا الكبد الأساسية فيحدث ما يسمى التليف وتضطرب وظيفة الكبد ويرتفع الضغط في الوريد البابي الكبدي وينتج عن ذلك أن تتمدد الأوردة في المريء والمعدة والطحال حتى تصبح مثل عناقيد العنب وتسمى بالدوالي وهي مصدر خطير للنزيف يهدد حياة المريض، خاصة مع فقد الكبد مقدرتها على إنتاج المواد التي تمنع النزيف ومع ارتفاع الضغط في أوردة الأمعاء والمعدة، ونقص الزلال في الدم يتجمع سائل في البطن يسمى استسقاء، وقد يتجمع بكميات كبيرة تؤدي لانتفاخ شديد في البطن، وقد تدخل فيه الجراثيم فتؤدي الى الالتهاب البريتوني. كما أن المراحل المتقدمة من التليف قد يصاحبها خلل في الوعي وهذيان وقد تفضي إلى غيبوبة. ومن أخطر مضاعفات التليف المتلازمة الكبدية الكلوية التي يصاحب فيها فشل الكبد فشل الكلية وتحمل درجة عالية من الخطورة وقد يصاب بعض المرضى بأورام الكبد. وأهم أسباب التليف لدينا التهاب الكبد الوبائي من النوع ب (B) أو النوع ج (C) أو تشحم الكبد. ويكثر في البلاد غير الإسلامية التليف الناتج عن استعمال الكحول، فنحمد الله على شريعتنا الغراء التي كفتنا شره. ومن الأسباب المهمة لتدهور حالة مريض التليف الإصابة بالالتهابات أو التعرض للجفاف أو الإمساك أو استعمال الأدوية التي تؤذي الكبد أو تؤدي إلى النزيف أو تضعف الكلية، ولذلك ينصبح بالابتعاد عن مسكنات الآلام الشبيهة بالأسبرين والمسكنات التي تحتوي على الكوديين أو الترامادول. ومريض التليف إذا كان لديه تجمع سوائل في البطن أو في القدمين ينصح بالإقلال من الملح لتسهيل التخلص من هذه السوائل وقد يصف له الطبيب أدوية مدرة للبول ولذلك يصبح معرضا للجفاف في نهار رمضان إذا كان صائما وإذا كان مصابا بداء السكري ويستعمل الأنسولين فإن احتمال إصابته بغيبوبة هبوط السكر سيزيد لأن الكبد المتليفة لا تستطيع تخزين السكر وإفرازه عند الحاجة لمقاومة هبوط السكر. ويصنف المرضى حسب شدة حالة التليف حسب معيار (شايلد) وتعديلاته وأشدها خطرا هي المرحلة (C) وغالبا ما يكون لديهم استسقاء في البطن وارتفاع الصفراء ونقص الزلال في الدم، وزيادة قابلية النزيف وأقلها خطورة الفئة (A) التي ليس لديها شيء من معايير الفئة (C) وقد درس الدكتور الندري وزملاؤه من مصر حالة 202 مريض مصابين بمرض الكبد المزمن ووجدوا أن أعراض عسر الهضم كانت أكثر لدى الفئة التي صامت رمضان كما تعرض 17.5% من الذين صاموا للنزيف من القناة الهضمية بينما حصل ذلك لدى 14.1% من الذين لم يصوموا، وكان النزيف من الدوالي أكثر لدى الذين لم يصوموا، ولكن الملاحظة المهمة هي أن 13% من المرضى قد انتقلوا الى المرحلة شايلد (C) الخطيرة خلال رمضان 32.6% بعد رمضان وقد درس الدكتور الفرت وزملاؤه من مصر حالة 216 مصابا بالتليف الكبدي في رمضان ووجدوا ان مادة الصفراء قد زادت في الدم وهذا مؤشر على تدهور في عمل الكبد لدى بعض المرضى وكانت العوامل المصاحبة لهذه الزيادة هي كبر السن، والإصابة بالسكري وكون المريض في مرحلة شايلد (C). واستنتجوا أن مرضى التليف في مرحلة شايلد (A) يمكنهم الصيام بينما لا ينصح الفئة شايلد (C) بالصيام. الخلاصة أن مريض تليف الكبد لا ينصح بالصيام إذا كان في مرحلة متقدمة، خاصة إذا كان مصابا بداء السكري، ويجب عليه مناقشة حالته مع طبيبه لتحديد درجة الخطر عليه.