قصر الاليزيه على موعد مع الضيف السعودي الكبير صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حيث تنظر الاوساط الفرنسية الى هذه الزيارة بالعناية الفائقة خاصة وأنها تأتي كأول زيارة لمسؤول سعودي رفيع المستوى بعد اجتماعات كامب ديفيد، ومن ثم لقاء الامير محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي بوتين في سان بطرسبرغ، وهو الذي لا ينعم بعلاقة حميمية مع قادة أوروبا. تأتي زيارة سمو ولي ولي العهد الى باريس في ظل أجواء حميمية تغطي التحالف الاستراتيجي بين السعودية وفرنسا، ما يمنح كلا البلدين ثقلا استراتيجيا يمكن استثماره لموازنة علاقتيهما مع الولاياتالمتحدةالأمريكية كل في محيطه الجغرافي بشكل عام، وفي منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص، مع الاخذ بعين الاعتبار أن السياسة الفرنسية تحافظ على تقليدها الديغولي المرتكز على الاستقلالية والسيادة خصوصا عن أمريكا، بالرغم من انتمائها للمعسكر الغربي. ولذلك، فإن الظروف التي يمر بها الشرق الأوسط حاليا، وتغير توجهات فرنسا تجاه تحالفاتها في المنطقة، تفتح المجال أمام الالتقاء السعودي الفرنسي المرهون بتقديرهما للمصالح وملاءمة الوقت لعقد هكذا تحالف. ولعل دور المملكة اليوم في تركيبة الخريطة السياسية الاقتصادية العربية يشابه دور فرنسا وألمانيا مجتمعتين في تشكيل وتفعيل الاتحاد الأوروبي، كونهما يمثلان الثقل الاهم على الصعد السياسية والاقتصادية، كما أن الرياضوباريس يمتلكان عوامل أخرى تعزز من جاذبيتها للتحالف، كونهما عضوين في مجموعة العشرين، ولهما دور محوري في سوق الطاقة. وعلاوة على هذا كله، فإن السعودية وفرنسا، اللتين تستقيان تجاربهما وتدريباتهما العسكرية من منظومة القوات المسلحة، قد اشتركتا في برامج تدريبية عسكرية استراتيجية على مستوى عال من الأهمية، يشارك فيها ضباط وأفراد جيوش كلا البلدين باحترافية وتناغم عاليين بالتناوب بين أراضي البلدين، بهدف تبادل الخبرات وصقل المهارات العسكرية في تضاريس جغرافية مختلفة. وتمتلك السعودية قوة أمنية لمكافحة الإرهاب، والذي تختلف تجهيزاتها وتقنياتها عن الحاجات الأمنية التقليدية، حيث شكلت هذه القدرة نموذجا يحتذى دوليا، وهو ما دفع خبراء مكافحة الإرهاب والضباط المختصين في الكثير من الدول المتقدمة، كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، إلى اعتبار الرياض وجهة رئيسة في جداول أعمالهم خلال السنوات العشر الأخيرة، من أجل الوقوف على هذه التجربة الاستثنائية. وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن كلا البلدين قد مرا بتجربة «تعايش النفوذ» في لبنان، ولا تشير المعطيات القائمة حاليا لوجود ما يمنع من تكرار تجربة تعايش النفوذ في سوريا، والمنطقة، ويدعم ذلك اصطفافهما معا ضد النفوذ الإيراني غير المبرر في لبنانوسوريا خاصة، والعالم العربي عامة. وذلك يؤكد التقاء المصالح والحسابات الاستراتيجية السعودية الفرنسية بشكل عام، وفي هذا الوقت بشكل خاص. إذن الاليزيه بحلته القشيبة يلبس ثوبا جديدا وسط صيف باريس المخضب بالخضرة والمكتحل بالشمس، هذا الثوب هو ثوب التناغم مع الرياض، التي تعرف باريس جيدا إلى أي حد انها جادة في وضع حلول حقيقية على الأرض.