مع كل موسم رمضان، تتوالد الأسئلة وتتكاثر عن مفهوم الزكاة وعن دورها وتأثيرها في المجتمع والحياة، ومع تفاقم ظاهرة الفقر وتزايد أعداد الفقراء.. فكأن الزكاة في وادٍ والفقر والفقراء في وادٍ آخر. كما لو أن لا صلة أو علاقة بينهما؟ فهل المشكلة ناتجة عن الفصل بين مفهوم الأخذ ومفهوم العطاء؟ ألم تكن الزكاة لتؤخذ من أموال الأغنياء وترد للفقراء؟ وإذا كانت الزكاة واجبة على الأغنياء، فهل فعلا يتم أخذ الزكاة من كل الأغنياء؟ ففي كل عام تطالعنا مجلة فوربس بقائمة جديدة من الأثرياء في المملكة والذين تقدر ثرواتهم عام 2014 بحوالي 65 مليار دولار. فضلا عن الأصول التي لاتزال تراوح في نطاق التشريع كزكاة الأرضي والإشكالات المصاحبة لفرض زكاة على ملاكها، فهناك مشكلة أكبر ربما تكمن في المعوقات التي تتحدث عنها مصلحة الزكاة والدخل في تقاريرها وتكمن في ضعف تعاون معظم الأجهزة الحكومية مع المصلحة، فضلا عن عدم وجود غرامات في نظام إجراءات الزكاة الحالي لتطبيقه على المستحقة عليهم الزكاة، ما يؤدي إلى عدم التزامهم وإنهاء موقفهم الزكوي، إضافة إلى عدم تقديم البعض حسابات نظامية توضح حجم أعمالهم. أم أن مشكلة الفقر تكمن في الخلط والتداخل بين مفهوم الفقر والفقراء والفئات المحتاجة ومصطلحات مثل العوز مقارنة بمفاهيم تنموية دولية مثل تحت خط الفقر. فنحن بكل صدق إلى الآن نعاني مشكلة تعريف وتحديد الفقراء محليا، لا توجد إحصاءات بالفقراء أو نسبتهم في المجتمع ولا نعرف ما إذا كانوا فقراء نتيجة البطالة أم لأسباب أخرى..؟ وزارة الشؤون الاجتماعية رغم جهودها الملحوظ، ورغم استخدامها التقنية للتواصل مع المستهدفين، وصرف بطاقات صراف لمن هم ضمن المستفيدين، إلا أن فئات المستفيدين قديمة نسبيا ولم تستجب لكثير من تطورات العصر. أحد أعضاء مجلس الشورى يتحدث عن ضرورة إعادة النظر في فئات مستحقي الضمان الاجتماعي التي أصبحت غير مواكبة للظروف المعيشية والتطورات الاجتماعية المتلاحقة، بل إن المبالغ المقدمة في بعض الحالات لا تفي بسداد احتياجات هؤلاء المستفيدين، ويطالب الدكتور طلال بكري عضو مجلس الشورى بتوسيع سريع لنطاق الضمان الاجتماعي فهناك حالات لا يغطيها الضمان الاجتماعي وهي في أمس الحاجة للمساعدة والدعم. كما أن الربط الإلكتروني في شبكة التعاملات الحكومية، مؤخرا كشفت عن عدم استحقاق 107 آلاف مواطن للضمان الاجتماعي، اتضحت بعد الربط مع 7 جهات حكومية. في تقديري، هناك حاجة ماسة لمراجعة وتحديث مفهوم وإجراءات تحصيل الزكاة والدخل والحاجة كذلك ماسة لمراجعة وتحديث مفهوم الفقر والبطالة في ضوء برنامج حافز والضمان الاجتماعي. هناك حاجة ماسة لإعادة قراءة وتعريف الزكاة اقتصاديا وليست من منظور اجتماعي. فقد أثبتت المعالجات المؤقتة والعابرة أنها كالمطر على أرض مجدبة لاتنبت زرعا ولا تسقي ضرعا. وكما أن الزكاة ليست واجبة على الأغنياء فحسب، لكنها حق من حقوق الفقراء. وعندما نتحدث عن حقوق الفقراء فإننا نتحدث عن كل حقوقهم، فلا يمكن التعامل مع محتاجي الزكاة ماليا، بمعزل عن حزمة حقوقهم بشكل عام، فالفقراء لهم حقوق صحية ومدنية وسكنية وتعليمية وغيرها من الحقوق. لا يمكن طرح مشكلة الفقراء بعد الآن من زاوية واحدة وإغفالها من زوايا أخرى، يجب أن يتم تشريع وسن حقوق للفقراء كي لا تضيع حقوقهم في غمرة وزحمة حقوق أخرى، فمثلما أن هناك حقوق الطفل وحقوق المرأة، هناك حقوق للفقراء يجب أن يتم تشريعها وترسيخها لينال أصحابهم حقوقهم بكرامة ومساواة. فالفقير الذي لا تصله حقوقه اليوم، هو قنبلة موقوتة، يسهل استغلاله وتوجيهه إلى كثير من المسارات الخطيرة والمدمرة له ولمن حوله وللمجتمعات والأوطان. لا يمكن قراءة خارطة الفقر ومعالجتها إلا من خلال قراءة خارطة الفساد ومعالجتها ولا يمكن إنصاف الفقراء، إلا من خلال محاسبة الفاسدين. تلك هي المعادلة، وإلا سنكون أمام مشكلة الفقر عموديا بدلا من مكافحة الفقر أفقيا، حينها تتصحر كل القيم وتتصدع المجتمعات بحرائق طائفية وقبائلية ومذهبية ومناطقية، تحت كمية الضغوط الاقتصادية وما تتسبب به من تأزيم للعلاقات بين الناس والمجتمعات.