يطل شهر رمضان هذا العام والخريطة العربية دامية مثخنة بالجراح الغائرة والنيران المشتعلة بالحروب الأهلية والنزاعات العرقية والنعرات الطائفية وجرائم الإرهاب الدموي الذي أدخل المجتمعات في موجة من الرعب والقتل والدمار.. يأتي الشهر وملايين المهجرين من الأبرياء عن أوطانهم، يعانون الجوع والمرض والغربة وفقدان الأحباب، وينظرون إلى المجهول في بلدان شوهتها أنظمة ظالمة فاسدة، سلبت الناس إرادتهم وحرياتهم وحرمتهم من أبسط حقوقهم في أوطانهم وبل سلبت بعضهم الحياة في أقبية التعذيب فلم تسلم من زبانيتهم وقتلتهم أعراض النساء ولا براءة الأطفال ولا أرواح الشيوخ وضعف المعاقين. وعلى امتداد الخريطة العربية ترى الانهيارات والانكسارات والتشظي والتفتت والاقتتال بين أبناء البلد الواحد وكأن هذه المنطقة فقدت رشدها ولم يعد فيها عقلاء يدفعون عن مجتمعاتهم وأوطانهم الخراب والدمار. في ظل هذه الأوجاع والآلام وانعدام الرؤية لدى الكثيرين تبرز أهمية الأصوات الداعية إلى إيقاف النزيف وحماية الشعوب من أشقياء أعمتهم المطامع وضللتهم الأهواء عن مخاطر ما يرتكبون من أخطاء في حق أوطانهم وأهلهم.. هذا الصوت المعتدل هو الأمل في تدارك ما بقي من منطق وعقل وبصيرة يمكنها أن توقف الانحدار إلى هاوية الاحتراب الأهلي الذي يضع المنطقة كلها في دائرة الخطر ويسهل على أصحاب الأطماع مهمتهم وتحقيق أهدافهم. وهذا المنهج المعتدل، الذي يبقي الأمل حيا في نفوس الناس، يحتاج إلى عمل جماعي بين جميع الشركاء، فالدول العربية والإسلامية مدعوة إلى عمل جاد يستند إلى القناعة المشتركة لإيجاد التدابير والآليات القادرة على إيقاف مصادر الخطر، والمؤسسات الإعلامية والثقافية مطالبة بإعادة الناس إلى العقل والمضي على طريق كشف الأخطار المحيطة باستقرار المجتمعات إذا استمرت الدعوات الطائفية والعرقية التي أصبحت الوعاء والبيئة الحاضنة للإرهاب وما يزرع في عقول الناشئة من شذوذ الأفكار والسلوك المنحرف، والعلماء مدعوون إلى الاقتراب من الشباب حيث تجري المعركة والمنافسة على عقولهم ومشاعرهم لإنقاذهم من دعاة الأفكار الشاذة التي يستغلها دعاة الفتنة لتحقيق أهداف شيطانية نهايتها فقدان الأمن والطمأنينة في نفوس أفراد المجتمعات وحينها يعم الخطر والفساد. هذا الواقع الموجع المخيف الدامي، الذي تعيشه المنطقة العربية، خطر يتهدد الجميع وهو محتاج إلى رؤية وعمل تشترك فيه كل القوى الفاعلة لإصلاح الأخطاء والوقوف في وجه أخطار الخارج الذي يستثمر حالة السيولة التي تمر بها المنطقة.