أتلقى يوميا الكثير من اللقطات المصورة بالجوال، بعضها يوثق مواقف الاختلافات والمشاجرات في وسائط النقل العام، والخاص بالطلاب والطالبات، أو يرصد موقفا في دائرة حكومية أو نقاشا حادا انتهى إلى انفعالات وعراك بالأيدي، إلى غير ذلك من الحوادث المتعددة، كما ينقل اللقطات الخفيفة والغريبة.. وكاميرا الجوال كانت «بطلا» في العديد من الأحداث والوقائع في السنوات الأخيرة، فقد كانت ولا تزال حاضرة في لحظات غضب مسؤول أزعجه إلحاح مراجع، وشريكة في مشاهدة تعنت موظف كسول ضد رغبة مواطن يطالب بإنجاز معاملته بالسرعة المطلوبة.. وكانت «شاهدا» على تجاوز بعض المتساهلين في الخضوع للنظام والتهاون في أداء المسؤولية بما يحقق مبدأ «الموظف في خدمة المواطن». وهذه الشهادة كانت وثيقة إدانة أطاحت بموظفين كبار في لحظة انفعال.. كل هذا معروف مشهود من المهمات «البطولية» التي أدتها كاميرا الجوال، التي لقصة دخولها بلادنا حكاية تستحق أن تروى، وقد يوجد في ثناياها مادة يدور حولها عمل أدبي يؤرخ لتطور المجتمع، ولكن هذا الدور «الإيجابي» الموثق للأخطاء والمساعد على كشف العيوب وتعريتها لا ينفي جوانب أخرى سلبية باتت تصاحب استخدام هذا الجهاز عند البعض، فقد أدى الاستخدام السيئ إلى كشف مستورين، والافتراء على أبرياء، وتزييف الحقائق للإضرار بالناس دون ذنب اقترفوه، كما تمادى سفهاء في «فبركة» لقطات بهدف ابتزاز الآخرين وتوريطهم وتشويه سمعتهم بالباطل. ومن الطبيعي أن لا يلام «الجوال»، فالإنسان هو المسؤول، فهو الذي وظف الكاميرا ليرصد التجاوزات، ووظفها ليعيد الحق لأصحابه أو يحمي بريئا من تهمة باطلة، كما أنه هو الذي يستخدم الجوال لينتقم من الآخرين ويعتدي عليهم أو يستغل صورهم في غير ما أخذت له.. الابتزاز لم يعد قاصرا على صورة امرأة مكنت ذئبا من صورتها في لحظة ضعف، أو رجل ساذج يتوهم الخير في كل الناس، فقد تطور للتشهير بمؤسسات وأجهزة مسؤولة عن السلم الاجتماعي وضوابطه وإساءة سمعة رموز اجتماعية بغير حق. ورغم صدور نظام الجرائم الإلكترونية ونشره في وسائل الإعلام، فإن دائرة الاعتداء على الآخرين تتسع حتى أصبحت الأجهزة الإلكترونية «أسلحة» في يد من لا يحترم الأنظمة ولا يراعي ضوابط الشرع والأخلاق، وهؤلاء لا بد أن يشدد عليهم وتغلظ لهم العقوبة حتى لا يستمر العبث بأعراض الناس.