التقطت المكسيكية روزاريو غارسيا هاتفها الجوال في احد أيام السبت ليطرق أذنها ذلك الصوت الذي أصبح يرتعد منه معظم المكسيكيين وهو: صرخة احد الأحباب طالبا النجدة. وقال الصوت،» أمي ، انجديني! لقد حدث لي أمر مريع!». وكان الصوت أشبه بصوت تعرفه روزاريو جيدا، وهو صوت ابنتها البالغة من العمر 33 عاما. وتساءلت روزاريو قائلة،» باولا؟ هل أنت باولا؟» وأجابها الصوت قائلا،» أخذوني بسيارة . لقد خطفوني.» ثم سمعت روزاريو صوت رجل يخاطبها قائلا،» إذا لم تعطينا ما نريده فإننا سنقتل ابنتك باولا.» وبينما كان الرجل يتحدث سمعت روزاريو صوتا خلفيا بدا انه صوت ابنتها وهي تستغيث طالبة الرأفة. ثم طرق أذنها شيء آخر، شيء هو المستحيل بعينه‘ إذ سمعت نفس الصوت يتوسل قائلا:» أبي ساعدني». غير أن والد باولا متوفى منذ سنوات. إذن المرأة التي تحدثت إليها في الهاتف ليس ابنتها باولا، ما يعني أن عملية الاختطاف هذه مزيفة. وأغلقت روزاريو الهاتف وقد كادت الصدمة تشلها تماما. ويقول الخبراء أن حوالي 20 مليون مكسيكي قد وقعوا ضحايا لمثل هذه الاختطافات «الافتراضية» كتلك التي طاولت روزاريو منذ تفشي هذه الظاهرة في البلاد منذ 10 سنوات خلت. وتشكل هذه الممارسة أداة ابتزاز فعالة في دولة تعتبر فيها الاختطافات الحقيقية شائعة الحدوث ، وتتم وفقا لإجراء غاية في البساطة ،كل المطلوب فيه هو اتصال هاتفي وصرخة ونداء استغاثة، ومطالبة بمبلغ مالي أو بمعلومة مالية ،حتى قبل أن تتاح الفرصة للأب المذهول أن يتحقق من صحة عملية الاختطاف. وحتى الآونة الأخيرة، كانت الحكومة عاجزة عن وقف مثل هذه المهاتفات. فقد أدى الانفجار في استخدام الهواتف الجوالة عبر المكسيك في العقد الماضي إلى وجود الملايين من الأرقام الهاتفية غير المسجلة والتي لا يمكن تعقبها . ويتم استخدام مئات الآلاف من هذه الخطوط في عمليات الابتزاز. وتشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 12 ألف مهاتفة يتم إجراؤها في المكسيك يوميا، ومعظمها من داخل سجون المكسيك. الجوالات تستخدم في تنفيذ عمليات التفجير ايضا غير أن الحكومة أسست مؤخراً قاعدة بيانات تهدف إلى القضاء على هذا الإفلات من العقوبة من خلال الطلب من جميع المكسيكيين أن يقوموا بتسجيل هواتفهم الجوالة.. ويقول المسؤولون أن قاعدة البيانات المسماة» السجل الوطني لمستخدمي الهواتف الجوالة» ستمكن المحققين من تعقب الهواتف التي تستخدم في عمليات الابتزاز أو الاختطاف وتقديم المجرمين للعدالة. وعمدت الحكومة إلى قطع الخدمة عن 3 ملايين خط هاتفي غير مسجل في قاعدة البيانات بعد أن حددت العاشر من ابريل الماضي كآخر موعد للتسجيل. غير أن البرنامج تعرض لانتقادات حادة من قبل شركات الهاتف التي استاءت من تقلص أعمالها التجارية بسبب إلغاء الخدمات الهاتفية، وأيضا من قبل المنظمات المدنية التي تحاجج بان قاعدة البيانات تنتهك خصوصيات المواطنين، ومن قبل خبراء الأمن الذين يقولون أن قاعدة البيانات ستضر أكثر مما تنفع. ولعل الخوف الأكبر هنا في المكسيك يتمثل في أن الناس إذا سجلوا بياناتهم فان معلوماتهم ستنتهي لا محالة في ايدى المجرمين. الأرقام غير المسجلة أفضل أداة للاختطاف والابتزاز.. و«قاعدة البيانات» حل حكومي.. غدا وبالاً وفي هذا الصدد يقول فرناندو رويز، رئيس مجلس القانون والحقوق المدنية، وهو منظمة طوعية تحقق في جرائم الاختطاف والابتزاز في المكسيك،» تسجيل الهواتف الجوالة لن يعمل على احتواء الجريمة على الإطلاق لان المعلومات سوف تعرض للبيع.» ويضيف رويز قائلا إن مئات الآلاف من الأشخاص- من المجرمين والمواطنين المتحفظين على حد سواء- قد وجدوا طرائق لهزيمة النظام .فمن بين 65 مليون خط هاتف جوال مسجل حتى الآن فان حوالي 6 بالمئة منها مسجلة بأسماء وهمية، ومن بينها آلاف الأرقام المسجلة باسم الملياردير المكسيكي كارلوس سليم ونجوم الغناء في المكسيك، بل وباسم الرئيس فيليب كالديرون نفسه. وفي منعطف غاية في الغرابة، فان السجل قد يعمل على إيذاء مكسيكيين أبرياء إذا تعرضت معلوماتهم الشخصية وحسابات هواتفهم الجوالة للاختراق. وفي هذا الصدد يقول رويز،» سنشهد حالات يتم فيها جرجرة أشخاص أبرياء تماما للتحقيق في جرائم اختطاف لان أرقام الهواتف التي استخدمت في الاختطاف مسجلة بأسمائهم دون علمهم.» المكسيكيون يتخوفون من تسجيل هواتفهم خشية من وصولها للمجرمين والأسوأ من ذلك أن المكسيكيين في هذه الدولة التي تحتل المرتبة 89 في قائمة الدول الأكثر فسادا، يتخوفون من أن تسيء الحكومة استخدام المعلومات المسجلة لديها رغم وعدها بالحفاظ على سريتها. وكانت صحيفة «ال يونيفيرسال» قد أوردت أن معلومات سرية تتضمن أرقام رخص قيادة وصور عن بطاقات هويات الشرطة الفدرالية معروضة للبيع في السوق السوداء ويفترض أن البائعين مسؤولون حكوميون. ويقول رجل القانون المكسيكي غيراردو ليفا،» يتخوف المكسيكيون من قيام الحكومة الفدرالية أو الأشخاص المناط بهم إدارة السجل ، باستخدام المعلومات لترويع أو تهديد أو اختطاف الناس، أو أن تأخذ المعلومات طريقها إلى أيدي عصابات الجريمة المنظمة.» ويعترض الكثير من المكسيكيين على وجود السجل. ومن بين هؤلاء ضحية الاختطاف الافتراضي لوكريشا سولانو .فقد اخبرها احد الرجال هاتفيا بأنه موظف مصرفي يعمل على تدقيق حسابها ، بل وكان يعرف اسمها.ولكن عندما سألته عن كيفية حصوله على رقم هاتفها الجوال ، غير الرجل حكايته وقال لها،» هناك مسدس موجه نحو والدتك. وإذا لم تعطينا ما نريد فإننا سوف نفجر رأسها الآن.» وكان الرجل يطلب مبلغ 2000 دولار. غير أن سولانو كانت قد سمعت عن الكثير من القصص المماثلة من صديقاتها وأفراد أسرتها. وعلى الرغم من مخاوفها من أن تكون والدتها عرضة لخطر حقيقي، فإنها ردت على الرجل قائلة بأنها ليس لديها أم وأغلقت الخط ، ثم قادت سيارتها لمنزل والدتها البالغة من العمر 86 عاما لتجدها جالسة على أريكة وهي تشاهد التلفاز. وكانت سولانو ضمن 75 بالمئة من المكسيكيين الذين قاموا بتسجيل هواتفهم في قاعدة البيانات مكرهين، وتقول،» الخاطفون لا يقومون بتسجيل هواتفهم ، فكيف ستتمكن الحكومة من اعتقالهم ؟»