هل ما حدث، يومي الجمعة والسبت الماضيين، على حدود المملكة في منطقة جازان وفي مدينة خميس مشيط يعطي أي مؤشر على إمكانية نجاح الهدنة الإنسانية التي دعا إليها أمين عام الأممالمتحدة مؤخرا، أو أن هناك إمكانية للخروج بنتائج إيجابية من مؤتمر جنيف القادم، أو أن هناك نوايا صادقة لدى الحوثيين وحليفهم لانتشال اليمن من مأساته المتفاقمة؟. القراءة الواقعية للمشهد تنفي كل ذلك، فمحاولة هجوم قوة من الحرس الجمهوري على الشريط الحدودي وإطلاق صاروخ سكود هو تعبير رمزي عن الموقف الحقيقي للحوثي وصالح، ورسالة ضمنية لرعاة مؤتمر جنيف بأنهم الذين يشكلون القوة على الأرض لتقوية موقفهم التفاوضي وإملاء شروطهم على ممثلي الحكومة الشرعية والوسطاء الأمميين، ومن ثم تستمر الأزمة ويغيب الحل ويدخل اليمن في غياهب التدويل ودهاليز الأممالمتحدة التي كان لها باع طويل عبر مندوبها السابق في إنتاج الوضع القائم الآن. لو كان الحوثيون يريدون حلا بالفعل لأمكن ذلك في مؤتمر الرياض الذي تمت دعوتهم إليه مرارا، باعتبارهم مكونا من مكونات اليمن لا يجب تجاهله بغض النظر عن كل ما فعلوه. هم رفضوا الحضور؛ لأن المؤتمر كان يستند إلى ثلاث ركائز واضحة هي المبادرة الخليجية والقرارات الأممية، خصوصا القرار 2216، ومخرجات الحوار الوطني، وهذه الأسس تجعلهم شركاء في المنظومة السياسية اليمنية كغيرهم، لكنهم لا يريدون ذلك؛ لأنهم يريدون السيطرة على اليمن بمفردهم وتشكيله لوحدهم، فرفض الحضور كان لهذا السبب أكثر منه لحساسية وجودهم في الرياض، وكذلك لمحاولة كسب الوقت حتى تطرح الأممالمتحدة بديلا، والبديل ليس سوى جنيف التي لم تحل فيها قضية سابقة ولن تحل قضية لاحقة، إضافة إلى توقعهم بأن الأممالمتحدة لن تكون حازمة معهم في جنيف كما هو حزم التطبيق في مؤتمر الرياض لو كانوا حضروا. التصعيد الأخير لا يزيد على عبث جديد لتأزيم الوضع ورفض الحلول، فهم يعرفون أنهم لن يتجاوزوا شبرا من الحدود السعودية؛ لأن فارق القوة والاستعداد لا يقارن بالقوات السعودية، وبالتالي لا يوجد أبدا أي احتمال لتحقيق مكسب عسكري على الأرض. إنه إفشال لمحاولة الهدنة المحتملة في شهر رمضان لإضفاء بعد إنساني على الكارثة التي تسببوا فيها، وإشارة إلى نيتهم إطالة أمدها من خلال مؤتمر جنيف، ليكون اليمن ضحيتهم وضحية تدويل أو تأميم المشكلة. كان الحل موجودا في مؤتمر الرياض لو أرادوا ذلك.