بات المثقفون والأدباء العرب منذ ثمانية أعوام على موعد صيفي متجدد في مهرجان سوق عكاظ السنوي مع الشعر والأدب والفكر، يكرم خلالها المبدعون والمتميزون في مجالات متنوعة؛ مثل: الشعر والتصوير الفوتوغرافي والحرف اليدوية على أرض السوق التي اختير له أن يعود إلى موقعه التاريخي (40 كيلو مترا تقريبا شمال شرق مدينة الطائف). بعد مرور السنوات الأربع الماضية على مشروع تطوير سوق عكاظ، يرى العديد من النقاد أن السوق يعكس رؤية تطوير شاملة تهدف إلى جعله فعالية اقتصادية وثقافية حديثة، وموردا اقتصاديا واستثماريا يحقق التنمية المستدامة لمحافظة الطائف على مدار العام، خصوصا أنه يحظى باهتمام خاص من سمو مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، الذي يقول: «إننا نحتفل بسوق عكاظ العربي الإسلامي الذي ابتدأ في عصر الجاهلية، واستمر في العصر الإسلامي، وها هو اليوم يعود على أيدي العهد السعودي الزاهر، برعاية خادم الحرمين الشريفين، بسواعد وبفكر وبإرادة هذا العهد المتنور، لإعادة الثقافة والفكر والإبداع إلى بلد الثقافة والفكر والإبداع، وإلى هذا المجتمع الذي أراد له الله سبحانه وتعالى أن ينهض في العهد السعودي المستنير. إن سوق عكاظ هو مشروع القرن». عاد سوق عكاظ ليؤدي دورا مشابها بنمط حضاري مغاير يواكب العصر، بعد أن توسع في تخريج المبدعين في مجالات أدبية وفنية وعلمية متنوعة، ومنح سبعة شعراء عرب بردة شاعر عكاظ بعد أن فازوا بجائزتها، وهم: السعودي محمد الثبيتي، المصري محمد التهامي، السوري عبدالله عيسى سلامة، اللبناني شوقي بزيع، السودانية روضة الحاج عثمان، السعودي عيسى جرابا، والتونسي المنصف الوهيبي. وفيما غاب عن انطلاقته الجديدة «جسدا» كل عمالقة الشعر العربي القديم: النابغة الذبياني، والخنساء، وامرؤ القيس، حضرت خيامهم كمضافات لأسماء جديرة بالاحتفاء والتكريم لإبداعها شعريا وفنيا وثقافيا وفكريا. وكرم سوق عكاظ في سنواته الثمان الماضية عشرات المبدعين في مجالات الشعر، والخط العربي، والتصوير الضوئي، والرسم التشكيلي، والحرف اليدوية، كما قدم سوق عكاظ في نسخه الأربع السابقة للجمهور إبداعات كبار الشعراء والأدباء والمثقفين والمفكرين السعوديين والعرب، من خلال أنشطته وبرامجه التي شملت الندوات والمحاضرات الثقافية والفكرية والأمسيات الشعرية، وتميزه كل عام ببرنامج «تجارب الكتاب». واستعاد سوق عكاظ في انبعاثه الجديد تفاصيل كثيرة من سيرة السوق الأولى، من خلال عروض جادة عكاظ، والتي حظيت بإقبال كبير على متابعتها من الزوار من الأفراد والعائلات، ومن بينها حي عكاظ، حيث أقيمت بيوت الشَّعر المصنوعة من مواد خاصة وجهزت من الداخل على الطراز العربي، لتحاكي أحياء العرب التي كانت تقام في السوق قديما. واشتمل العروض أيضا على أعمال مسرحية درامية تاريخية متنوعة «مسرح الشارع»، مثلت جوانب الحياة والأنشطة التي كان يشهدها سوق عكاظ قديما، وتقدم باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى عروض أخرى لإلقاء الشعر العربي الفصيح، وخصوصا «المعلقات» والخطب البلاغية التي بنيت عليها شهرة سوق عكاظ، ويؤدي تلك الأعمال ممثلون محترفون وهواة على طول الجادة. كما استعاد السوق جانبا من تفاصيله القديمة برؤية عصرية حديثة عبر أعمال مسرحية متميزة جسدت في العامين الماضيين شخصية امرؤ القيس وطرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد، ويتوقع أن يشهد السوق تجسيد بقية شخوص شعراء المعلقات العشر. يضم «سوق عكاظ» محال لتسويق أعمال الأسر المنتجة؛ كالمأكولات الشعبية والحديثة والمقاهي، إلى جانب المنتجات الزراعية والفواكه المنتجة في محافظة الطائف والمدن القريبة منها، ومحال لعرض وبيع المقتنيات والقطع الأثرية، وأخرى لبيع الهدايا التذكارية التاريخية اليدوية؛ مثل المعلقات المكتوبة على رقاع من الجلد وغيرها والصخور المنحوت عليها أبيات شعر من قصائد المعلقات. إذن، فإن «سوق عكاظ» أصبح مثل «العنقاء» ، الطائر الذي يمتاز بالجمال والقوة، وكذلك فإن «سوق عكاظ» امتازت قديما بجمال الإبداع الشعري والخطابي، واستعراض قوى القبائل، ثم يتوقف 12 قرنا من الزمان ويعود مرة أخرى في العصر الحديث منذ تسعة أعوام ليجمع بين الأصالة والمعاصرة.