يبلغ سوق عكاظ هذا العام عامه السادس، حاملاً تاريخًا عريضًا سطره المؤسسون لفنون الشعر والخطابة العرب قبل 12 قرنًا، وخبرات متراكمة متنوعة جمعها في السنوات الخمس الماضية، مقدمًا منتجًا متنوعًا من الأنشطة والبرامج الثقافية والأدبية والتراثية والعلمية ذات المسؤول الداعي إلى نهضة فكرية وعلمية ستنقل المملكة إلى مصاف «العالم الأول»، هو ذاته الذي أيقظ سوق عكاظ التاريخي من سباته الطويل، هكذا أخرج صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة هذا السوق ليكون شعلة مضيئة للثقافة والأدب. يقول سمو أمير منطقة مكة عن استعادة سوق عكاظ: نحتفل بسوق عكاظ العربي الإسلامي الذي ابتدأ في عصر الجاهلية واستمر في العصر الإسلامي ويعود في العهد السعودي برعاية خادم الحرمين الشريفين لإعادة الثقافة والفكر والإبداع إلى بلد الثقافة والفكر والإبداع، مؤكدًا أن سوق عكاظ كان يقدم آنية اللحظة وآنية الفكر وآنية الثقافة وآنية التجارة ونحن يجب أن نعيد هذا المفهوم ونضيف إليه أن يقدم لنا آمالنا المستقبلية. وهكذا، أصبح الشعراء والمثقفين والأدباء العرب منذ خمسة أعوام على موعد جديد مع الشعر والندوات الأدبية وتكريم المبدعين والمتميزين في مجالات الشعر والفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والخط العربي والفلكلور الشعبي، على أرض السوق الذي اختير له أن يعود إلى موقعه التاريخي نفسه في العرفاء (40 كيلو متر تقريبًا شمال شرق مدينة الطائف). وإذا كان يغيب عن انطلاقة سوق عكاظ «جسدًا» كل عمالقة الشعر العربي القديم أمثال: النابغة الذبياني والخنساء وامرؤ القيس وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد، فإن خيامهم وأصوات شعرهم تضج في فضاء السوق، كمضافات لأسماء جديرة بالاحتفاء والتكريم لإبداعها شعريًا وفنيًا وثقافيًا وفكريًا. عودة برؤية حضارية يستمر سوق عكاظ في عامه السادس في نهجه المتمثل بأداء دور مشابه لما كان في الماضي لكن بنمط حضاري مغاير يواكب العصر، فهو من جهة يضع الزائر في أجواء الماضي وأصالته، ومن جهة أخرى يسهم في تخريج وتقديم المبدعين في جميع مجالات الإبداع: الشعر والفن التشكيلي والخط العربي والتصوير الضوئي والتميز العلمي وصولاً إلى الحرف اليدوية، مستخدمًا في ذلك أسلوب الجوائز المعروف. يقول أمين سوق عكاظ الدكتور جريدي المنصوري: إن جوائز سوق عكاظ وهي تدخل عامها السادس أصبحت منافسة على مستوى العالم العربي فهي تغطي مساحة واسعة من الإبداع الفني ابتداء من الشعر ومرورًا بالفن التشكيلي والخط العربي والتصوير الفوتوغرافي والابتكار العلمي، مشيرًا إلى أن الجوائز باتت اليوم موضع عناية واهتمام من جميع المثقفين في الوطن العربي، كما أنها تشكل آمالهم وطموحاتهم للتنافس والحصول عليها والتتويج بها. وأوضح الدكتور المنصوري أن الجوائز شهدت تطورًا ملحوظًا خلال الأعوام الخمس الماضية، فمن جائزتين هما شاعر عكاظ والفلكلور الشعبي إلى ثماني جوائز حاليًا تتجاوز قيمتها 1.1 مليون ريال، مشيرًا إلى أن الجوائز -باستثناء جائزتي الحرف اليدوية والفلكلور الشعبي- قدمت 32 مبدعًا في الشعر والخط العربي والفن التشكيلي والتصوير الضوئي والتميّز العلمي، والجوائز قابلة للتطور والإضافة بناءً على ما تقترحه لجنة الجوائز وتقرّه اللجنة الإشرافية، مستشهدًا بالدورة الأولى التي بدأت بجائزتين هما شاعر عكاظ والفلكلور الشعبي ثم أضيفت جائزتا شاعر شباب عكاظ والخط العربي في الدورة الثالثة ليصبح مجموع الجوائز 6 جوائز، فيما أضيفت جائزتا التصوير الضوئي والحرف اليدوية في الدورة الرابعة لتصبح سبعة جوائز، والتميّز العلمي في الدورة الخامسة لتصبح ثماني جوائز. وأفاد أن القيمة المادية والمعنوية لجوائز سوق عكاظ تمثل حافزًا كبيرًا للإبداع، مشيرًا إلى أن القيمة المالية للجوائز زادت خلال الأعوام الماضية، فمثلا جائزة شاعر عكاظ بدأت ب 50 ألف ريال ثم ارتفعت إلى 100 ألف ووصلت إلى 300 ألف ريال، وجائزة لوحة وقصيدة بدأت ب 30 ألف وحاليًا تبلغ 100 ألف ريال، وزادت قيمة جائزة الحرف اليدوية هذا العام من 120 ألفًا إلى 350 ألف ريال، مفيدًا بأن ما تم صرفه على الجوائز يصل إلى نحو قيمته خمسة ملايين ريال. جوائز الإبداع وفي مجال الشعر منح سوق عكاظ 5 شعراء عرب «بردة شاعر عكاظ» بعد أن فازوا بجائزتها، وهم: السعودي محمد الثبيتي في عامه الأول (1428ه 2007م)، والمصري محمد التهامي في عامه الثاني (1429ه 2008م)، والسوري عبدالله السلامة في العام الثالث (1430ه 2009م)، واللبناني شوقي بزيع في العام الرابع (1431ه 2010م)، وحُجبت الجائزة في العام الخامس (1432ه 2011م)، وحصدتها هذا العام (1433ه 2012م) أول شاعرة وهي السودانية روضة الحاج. أما المبدعون من الشعراء الشباب السعوديين الذين انضموا إلى قائمة الفائزين بجائزة شاعر شباب عكاظ، فهم: أحمد القيسي (1430ه 2009م)، وناجي حرابة (1431ه 2010م)، وحُجبت الجائزة في (1432ه 2011م)، ونالها الشاعر إياد حكمي في العام الجاري (1433ه 2012م). وكرّم سوق عكاظ في سنواته الخمس الماضية أيضًا المبدعين في الفن التشكيلي من خلال جائزة لوحة وقصيدة، حيث حصدها في العام الأول من عمر الجائزة والدورة الثانية من عمر السوق (1429ه 2008م) الفنان التشكيلي السعودي فهد القثامي، وفي الدورة الثالثة (1430 ه 2009م) تقاسمها كل من الفنانين السعوديين طه صبان وعبدالرحمن خضر، وفي الدورة الرابعة (1431ه 2009) حصدها الفنان السعودي محمد الرباط، وفي الدورة الخامسة نالها الفنان السوداني عوض أبو صلاح، فيما تقاسهما هذا العام 3 فنانين تشكيليين هم: عبده عرييش وفهد خليف من السعودية وعبدالعزيز بوبي من الصومال. كما قدم سوق عكاظ المبدعين في الخط العربي من خلال الجائزة المخصّصة، ونالها في عامها الأول الذي أضيفت فيه وهو الدورة الثالثة (1430ه 2009م) عكلة حبيش من سورية، وفي الدورة الرابعة تقاسمها صباح الأربيلي ومثنى العبيدي من العراق، وفي الدورة الخامسة تقاسهما محمد الحداد من سورية وعبدالرحمن الشاهد من مصر، وفي الدورة السادسة لهذا العام تقاسمها حسام المطر من سورية وأحمد الهواري من مصر ومحمد نوري رسول من العراق. وقدم سوق عكاظ أيضًا عددًا من المصورين الفوتوغرافيين الذين جسّدوا الخيل العربي والأجسام المتشابهة، وتقاسمهما في عامها الأول (1431ه 2010م) سامي حلمي من مصر وبيان البصري من السعودية، ثم راشد البقمي من السعودية وجلال المسري من مصر في الدورة الخامسة، وأخيرًا تقاسمها فائزان من السعودية فيصل مشرف الشهري وفهد العقيلي وثالث من العراق هو شعيب خطاب. وكرّم سوق عكاظ المتميزين في مجال البحث العلمي ومبتكري الاختراعات التي تخدم البشرية كجزء من رسالته في ربط الماضي بالحاضر، فتقاسم جائزة التميز والإبداع العلمي في عامها الأول في الدورة الخامسة كل من الدكتور أحمد صالح العمودي من اليمن والدكتور عبدالعظيم جاد من ألمانيا، فيما حصدها الدكتور أحمد ظافر القرني من السعودية في عامها الثاني والدورة السادسة لهذا العام. حضور ثقافي قدم سوق عكاظ في نسخه الخمس الماضية للجمهور إبداعات كبار الشعراء والأدباء والمثقفين والمفكرين السعوديين والعرب، من خلال أنشطته وبرامجه التي شملت الندوات والمحاضرات الثقافية والفكرية والأمسيات الشعرية، وتميّز في عامه الرابع بإضافة برنامج «تجارب الكتّاب». وسيستمر السوق في تنظيم البرنامج هذا العام بإتاحة الفرصة لمجموعة جديدة من المفكرين والكتّاب العرب لعرض تجاربهم في التأليف والكتابة، من خلال عقد ندوات ومحاضرات وتخصيص جناح لكل منهم لعرض مؤلفاته واستقبال الزوار الراغبين في اقتنائها. كما يؤسس سوق عكاظ لهذا العام أول قناة حوار لأول مرة مع الشباب في حلقة نقاش بمشاركة أمير منطقة مكةالمكرمة ووزراء التربية والتعليم وهيئة السياحة والآثار والتعليم العالي والثقافة والإعلام يحاورون فيها نخبة من الشباب في ندوة تحمل عنوان «ماذا نريد من الشباب وماذا يريد الشباب منا». واستعاد السوق في انبعاثه الجديد تفاصيل كثيرة من سيرته الأولى، من خلال عروض «جادة عكاظ» التي تحظى بإقبال كبير من الزوار من الأفراد والعائلات، ومن بينها حي عكاظ، حيث تقام بيوت الشعر على الطراز العربي لتحاكي أحياء العرب التي كانت تقام في السوق قديمًا، كما تشتمل العروض أيضًا على أعمال مسرحية درامية تاريخية متنوعة (مسرح الشارع) مثلت جوانب الحياة والأنشطة التي كان يشهدها سوق عكاظ قديمًا وقدمت باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى عروض أخرى لإلقاء الشعر الفصيح وخصوصًا «المعلقات» والخطب البلاغية، ويؤدي تلك الأعمال ممثلون محترفون وهواة على طول «الجادة». كما استعاد السوق جانبًا من تفاصيله القديمة برؤية عصرية حديثة عبر أعمال مسرحية متميّزة جسّدت شخصيات الشعراء امرؤ القيس وطرفة بن العبد وزهير ابن أبي سلمى، فيما تعرض هذا العام مسرحية جديدة عن عنترة بن شداد. ويضم سوق عكاظ محالاً لتسويق أعمال الأسر المنتجة كالمأكولات الشعبية والحديثة والمقاهي إلى جانب المنتجات الزراعية والفواكه المنتجة في الطائف والمدن القريبة منها، ومحالاً لعرض وبيع المقتنيات والقطع الأثرية، وأخرى لبيع الهدايا التذكارية التاريخية اليدوية مثل المعلقات المكتوبة على رقاع من الجلد وغيرها والصخور المنحوت عليها أبيات شعر من قصائد المعلقات. ولابد من الإشارة إلى أن نجاح السوق في السنوات الماضية واستمراره للعام السادس هو نتاج ثمرة تكامل جهود جهات حكومية عدة على رأسها إمارة منطقة مكةالمكرمة، والهيئة العامة للسياحة والآثار، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة والإعلام، ومحافظة الطائف، وأمانة الطائف، وجامعة الطائف.