ما الدافع القوي الذي حفز النوبلي البريروفي ماريو فارغاس يوسا على صعود خشبة المسرح وهو في سن 78؟ لا بد أن ما كتبه من روايات ومقالات لم يكن كافيا للتواصل مع الجمهور أم أن رسالة ملحة أرقت الكاتب، فأرغمته على ركوب مغامرة التمثيل المسرحي، ربما لم يعد أمامه متسع من الوقت لتمريرها في القصة أو الرواية أو المقالة. أم أن المسألة ما هي إلا رغبة في تجريب فن التمثيل المسرحي والبراعة فيه أيضا.. أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن ونحن نرى يوسا يمثل على خشبة المسرح بطولة مسرحيته «حكايات الطاعون» التي استلهمها من كتاب حكايات «الديكاميرون» للإيطالي جيوفاني بوكاتشيو. ها هو كاتب «حرب نهاية العالم» يقف على خشبة المسرح للمرة الأولى كممثل رئيسي، يؤدي دور نبيل من القرن الرابع عشر. يقول فارغاس عن تجربته: «كانت مرعبة، أحس بالتوتر الشديد والخوف والرعب، كنت أتساءل طوال اليوم إن كان من الجنون اندفاعي إلى خشبة المسرح، لكن في الوقت نفسه، الأمر محفز، ومثير. إنها تجربة جديدة، ومجددة وحيوية». بعض حكايات الديكاميرون تم تكييفها بحرية كبيرة، دون الإخلاص للنص الأصلي، بحيث تم تقطيع بعض القصص، أو تمديدها، أو الإضافة إليها أو حذف بعض شخصياتها. أعد الديكور على هيأة فيلا البالمييري وحديقتها حيث يلتجئ جيوفاني بوكاتشيو وأربعة آخرون كي لا يصابوا بالوباء الأسود الذي اجتاح فلورانسا عام 1348. يقوم فارغاس بدور الدوق أوغولينو، الذي سيحاول الإفلات من الوباء ولو ذهنيا من خلال سرد حكاياته المائة. ومع ذلك اجتاح الوباء أوروبا كلها. على الرغم من أن القصة الأصلية عن الهاربين من الموت الأسود تعود إلى قرون خلت،إلا أن صاحب جائزة نوبل للآداب حرص عقب انتهاء العرض المسرحي الذي قدم ليلة 28 يناير على مسرح مدريد وحضره الملك الإسباني وزوجته ومئات من المثقفين والصحفيين، أن يؤكد على أن سبب كتابته للمسرحية وكذا سبب صعوده إلى خشبة المسرح وخوض مغامرة جمالية جديدة. قال بالحرف «السبب هو الإرهاب». وأضاف: «الإرهاب آفة عصرنا وليس هناك سلاح غير الثقافة لكي ندافع عن اختلافاتنا..» ما زال العالم يعيش أنواعا من الطاعون، منه الإرهاب، على سبيل المثال، هو طاعون عصرنا يأخذ أشكالا عديدة، دينية وسياسية.. الحكاية ضرورية للبقاء على قيد الحياة ومقاومة وباء الإرهاب.. وبدون حلم مثالي كالذي رافقنا منذ خروجنا من الكهوف.لا يمكن أن نبني عالما أفضل.. خلال ساعتين، وقف ماريو فارغاس يوسا إلى جانب ممثلين رائعين، بلباسه الأبيض الطويل، وهو يحكي غاضبا ومنددا ملوحا بعصاه في وجه عالم مظلم بالوباء والخفافيش. كان من المفروض أن يكون أكثر جمالا وإشراقا وإنسانية.