ما الذي يجعل الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو محط إعجاب منقطع النظير، أجمع عليه الفنانون والأدباء والباحثون والسياسيون؟ هل هو فنها التشكيلي المذهل بين الانطباعية والسوريالية؟ أم سيرتها الذاتية التراجيدية والثائرة. في كتاب عن فريدا صدر منذ مدة وجيزة عن الدار الفرنسية (كريستيان بورجوا) حاول من خلاله الكاتب الإيطالي المرموق بينو كاكوشي أن يجيب عن بعض الأسئلة مستعيدا أمامنا شخصية الفنانة الفريدة فريدا كاهلو بأحلامها وأوجاعها وهوسها الفني. لم يستغرق هذا الاسترجاع سوى مائة صفحة، لكن أجزاءه الثلاثة تقدم ما يكفي من سرد مثير ليعرف القارئ بصورة فريدا كاهلو المدهشة سابرا سيرتها وأسرارها. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام هي: مونولوغ داخلي لفريدا كاهلو وهي على مشارف الموت. نص بعنوان فريدا: لحظات، صور، ذكريات مبعثرة تحتوي تفاصيل من السيرة الذاتية التي وردت في الجزء الأول. نص بعنوان «محبة وكراهية» يشرح أصول النص. نكتشف على وجه الخصوص أن النص كان في الأصل نصا مسرحيا يقدم أربع شخصيات. حوله الكاتب إلى حوار منفرد. في هذا الحوار المؤثر يعطي بينو كاكوشي الكلمة لفريدا كاهلو. تحديدا قبل بضعة أيام من وفاتها، ستعيش بلا هوادة محنة الشعور بالوحدة، لحظات من اليأس رغم قوة إرادتها. ستتذكر علاقتها المضطربة بالرسام الجداري دييغو ريفيرا. كما ستعبر عن حبها المجنون للمكسيك. ترجع أيضا إلى مبادئها السياسية وصداقتها بليون تروتسكي وصداقاتها التي لا تعد ولا تحصى. نسمع صوتها الجريح يتحدث عن حياة تطفح بالإفراط، في الحياة والألوان، تماما مثل لوحاتها التي بدأتها وهي طريحة الفراش. ورغم ذلك فقد بدأت حياتها المتمردة، منذ تاريخ ولادتها في عام 1907، الذي استبدلته بتاريخ 1910، وفي ذلك دلالة بليغة، فهي تعتبر تاريخ الثورة المكسيكية هو تاريخ ميلادها الحقيقي. وكما هو معروف، فقد أصيبت فريدا بشلل الأطفال في سن السابعة، كما تشوه جسدها إثر حادث مأساوي وهي في الثامنة عشرة، وأيضا كانت ضحية إجهاض متكرر، في عام 1953 بترت ساقها، لكن فريدا لم تتخل عن المقاومة الجسدية والنضال دفاعا عن أفكارها، وإبداعها وحبها. كان الشعب المكسيكي يلقبها «الروح العميقة للمكسيك». «كانت مثل الصبار المكسيكي: القوي والصبور، المندفع من الرمال والصخور البركانية، والغاضب بالأشواك في وجه الأغراب، لكنه ينكشف لي بقلب حنون وعذب ولي فقط...» كانت فريدا بقلب طفل وروح طائر يصبو للانعتاق حتى وإن كان السبيل رقصة دموية على شفا الهاوية. حاول كوكوشي بسرد بديع الحلول في أعماق أعظم رسامة ميكسيكية، ساردا أسرارها الأكثر حميمية بلغة غنائية وفاتنة. النص كثيف لغة ومعلومات، وقصة عن امرأة كانت سجينة ذاتها، لكن تعلقها الشديد بالحياة منحها شحنات عاطفية مثيرة وطاقة إبداعية فريدة. ولد الكاتب الإيطالي بينو كوكوشي في عام 1955، وهو منذ ما يقرب من 25 عاما يعيش متنقلا ما بين إيطالياوالمكسيك. نشر كتابه «أوتلاند روك» في عام 1988، و«بورتو إسكونديدو» في عام 1990، الذي حوله المخرج غابرييل سالفاتوري إلى فيلم يحمل الاسم نفسه. كما قام المخرج سان ايسيدرو فوتبول باقتباس الكتاب تحت عنوان «فيفا سان ايسيدرو!»، بالإضافة إلى رواياته، كتب كتاب «تينا»، وهو سيرة عن الفوتوغرافية تينا مودوتي، ونشر كتابا مصورا عن الفوتوغرافي «غراسياس المكسيك» وكتاب رحلة. كما كتب عددا من المقالات الفنية عن عدد من المعارض الفنية. وهو أيضا مترجم للأدب الإسباني وأمريكا اللاتينية، فقد نقل أكثر من ستين عملا. حصل على جائزة معهد سرفانتس الإسباني لأفضل ترجمة في عام 2002، وجائزة أدب الرحلة إميليو سلغاري 2010، وجائزة أنيما دي أولبيا لمدينة سردينيا، وجائزة الأدب من مدينة باليسترينا، كما شارك في كتابة عدد من السيناريوهات للسينما.