أشير، بداية، إلى أنني لم أبذل جهدا في اختيار عنوان مقال اليوم، وإنما استعرته من صدر بيت شعر رائع للأمير عبدالرحمن بن مساعد استهل به قصيدته الجديدة، القصيدة التي جاءت قوية ومؤثرة، أسهمت إلى حد بعيد في كشف مغالطات الإعلام المعادي للمملكة خلال خوض جيشنا الباسل لعملية عاصفة الحزم التي انتهت قبل أيام، وقد لاقت القصيدة صدى واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما أنها نظمت على وزن قصيدة المتنبي الشهيرة التي يقول مطلعها: على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتأتي على قدر الكرام المكارم. وقد لا أكون مبالغا إذا ما ذكرت أن تأثير قصيدة الأمير في الرد على آلة الحرب الإعلامية الخسيسة التي تعرضت لها بلادنا مؤخرا، قد فاق في تقديري تأثير العديد من قنوات إعلامنا الرسمية والخاصة؛ هذا فضلا عن كونها حفلت بالكثير من المعاني العميقة والدلالات الوطنية، وكان منها بيتان أعجباني كثيرا وتوقفت عندهما مليا ويقول فيهما: لك المجد يا سلمان كرها ورغبة .. فها أنت للحرم المطهر خادم رفعت رؤوس العرب فخرا وعزة .. ستحكى مدى التاريخ عنك الملاحم أما «بيت القصيد» أو موضوع مقالي اليوم فليس القصيدة ذاتها وإن كانت تستحق أن تفرد لها مقالات وإنما سأتحدث عن أدائنا الإعلامي الذي صاحب عملية عاصفة الحزم، والذي جاء في تقديري دون مستوى التوقعات، ولم يتمكن من مواكبة ذلك الحدث المهم، على الرغم من توفر كافة المقومات اللازمة لإمكانية تحقيقه نجاحا استثنائيا، فبلادنا خاضت حربا مشروعة لحماية حدودها، وناصرت الشرعية في بلد شقيق، كما ونجحت في حشد التأييد العربي والإسلامي للعملية العسكرية قبل بدئها، في حين سجلت الدبلوماسية السعودية نصرا مؤزرا بنجاحها في استصدار قرار مجلس الأمن الأخير؛ الأمر الذي أضفى الشرعية الدولية على قرار المملكة بتلبية نداء الرئيس اليمني. وكما فاجأت عاصفة الحزم العالم، يبدو أن إعلامنا قد تفاجأ هو الآخر بالعملية؛ لذلك لم يكن جاهزا لمجاراة التقدم العسكري الذي أحرزته القوات المشتركة على مسرح العمليات، ولا الأداء السياسي المشهود للمملكة في المحافل الدولية والعربية، فباستثناء تغطية (بعض) فضائياتنا لسير العمليات الحربية، ونقل الموجز الإخباري اليومي للناطق الرسمي، تعاملت معظم وسائل الإعلام الوطني مع الحدثين العملياتي والديبلوماسي كما لو كانا أمرا عاديا، واستمرت معظم قنواتنا التلفزيونية وإذاعاتنا الرسمية في بث برامجها المعتادة!؛ في حين تكاسلت غالبية القنوات الخاصة الممولة سعوديا عن إنتاج برامج خاصة لدعم الموقفين السياسي والعسكري لبلادنا، ويكفي متابعة بعض تلك الفضائيات، وإذاعات الإف الإم السعودية خلال الأسابيع الماضية لمعرفة عدم ملاءمة محتواها، وضعف مستوى برامجها التي غلبت عليها السطحية واللامبالاة خلال فترة العمليات العسكرية. وقد بات واضحا منذ اليوم الأول لانطلاق (العاصفة) أن المملكة تتعرض لهجمة إعلامية قذرة يقوم بها الإعلام الإيراني وأبواقه في المنطقة؛ ورغم أن تلك الحرب اعتمدت على البذاءات والافتراءات بهدف التشكيك في الأهداف المشروعة لعاصفة الحزم، إلا انها أثرت سلبيا مع الأسف على آراء وتحليلات بعض السياسيين والمفكرين في الغرب، إضافة لتأثيرها على بعض وسائل الإعلام الدولية النافذة مثل مجلة ال(فورين بوليسي) الأمريكية، وجريدة الإندبندت البريطانية اللتين زعمتا أن (العاصفة) افتقرت للشرعية، الأمر الذي تطلب آنذاك حضورا إعلاميا قويا ومنظما لسفرائنا في الخارج؛ وهو ما يحدث الآن بعد انتهاء العمليات!، وقد نجح الأمير الشاعر ببراعة في وصف سبب الهجمة المسعورة ضد المملكة حين قال في عجز البيت الأول من قصيدته: وتأتي على قدر الذهول الشتائم. وعوضا عن أن نتباكى الآن على اللبن «الإعلامي» المسكوب، فإننا مطالبون ببلورة استراتيجية خاصة بإعلام الأزمات؛ تستهدف مؤازرة الأوضاع الدقيقة التي يمكن أن تمر بها بلادنا في المستقبل، كما ينبغي أن تعتمد استراتيجيتنا الإعلامية خلال الأزمات على تفنيد ضلالات الإعلام المعادي، وتوضيح وجهات النظر السعودية، ولكن تحقيق نتائج كهذه سيتطلب جهدا إعلاميا مختلفا؛ قوامه الموثوقية والسبق والمهنية، كما يجب أن يكون إعلامنا مدعوما بالحقائق والأرقام الكفيلة بكشف المغالطات، ولا يفوتني هنا التنويه عن الجهد المتميز لمعظم صحافتنا الورقية على تغطياتها المتميزة مقارنة بالإعلام المرئي والمسموع، في حين تستحق قناة العربية تقديرا خاصا؛ وتحديدا لبرنامجها (مرايا) الذي نجح باقتدار في تعرية الأكاذيب التي روج لها (ما يسمى) بحزب الله اللبناني، وإعلام عصابة الحوثي؛ بأوامر من أسيادهما في مدينة قم الإيرانية. وقد يكون من الضروري أيضا قيام إعلامنا بالتنسيق مع الإعلام اليمني الموالي للشرعية من أجل نقل صور حية، وقصص واقعية من مواقع الأحداث الماضية في اليمن لتوثيق المآسي الإنسانية، وجرائم الحرب، والدمار الواسع الذي تسبب به العدوان الحوثي وجيش الرئيس المخلوع، مبادرة كهذه من شأنها تفنيد مزاعم الأبواق المأجورة التي هاجمت المملكة، وفي مقدمتها عميل إيران الأكبر في المنطقة حسن نصر الله الذي زعم في خطاباته الجوفاء بأن عمليات عاصفة الحزم قتلت الأطفال والشيوخ، وانتهكت السيادة الوطنية لليمن الشقيق!!. ختاما، لم أجد مثالا أوضح للتدليل على قدرة الكلمة الصادقة والإعلام الواعي والفهم العميق في تعزيز القناعات وكشف الادعاءات الكاذبة كقول الأمير الشاعر في هجائه للعملاء والخونة: أيا أكذب الفجار أصلا وتقية .. ألا هل تغطي الشمس منك المزاعم تقول نقيض الشيء والشيء ذاته .. ولست بنصر الله أنت الهزائم. سائلا الله أن يحفظ بلادنا الغالية، وأن يزيد من تماسك لحمتنا الوطنية، وأن يوفق قيادتنا الرشيدة لكل ما فيه خير واستقرار المملكة، والعالمين العربي والإسلامي. [email protected]