الحديث عن أحداث مفصلية ساهمت في تغيير ملامح التاريخ المعاصر لا بد أن يصاحبه حديث عن المكان الذي احتضنها، وأكتب اليوم بمناسبة انطلاق المرحلة الأولى من مشروع تطوير الدرعية، المدينة الوادعة بمحاذاة وادي حنيفة، شريان الحياة الذي تشكلت على ضفتيه أغلب المستوطنات البشرية في قلب الجزيرة العربية. في هذه البلدة تكونت الدولة السعودية الأولى وانطلقت على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود منذ نحو ثلاثة قرون، لتكون المبادئ الأساسية التي قامت عليها وحدة المملكة، وما تزال، فتجدد هذه الدولة لثلاث مرات على ذات القيم والمبادئ التي شكلت هذه البلاد هي الأساس المتين الذي تقوم عليه المملكة في الوقت المعاصر. في الدرعية كانت بداية الوحدة، ونحن اليوم مع قائد هذه الأمة المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفيد مؤسس الدولة الأولى وابن مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز رحمه الله نحتفل بإطلاق المرحلة الأولى من مشروع تطوير الدرعية في حي البجيري، الذي ستعقبه مراحل مهمة، أهمها افتتاح حي الطريف، موقع التراث العالمي، بعد إعادة تأهيله ليكون مكاناً يعيش فيه المواطنون، خاصة الشباب منهم والزوار، المكان الذي بدأت منه انطلاقة هذه الدولة المباركة المستقرة، التي تبوأت موقعاً في الصدارة بين أمم العالم. لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- اهتمامات بالتراث الوطني بشكل عام يتعدى اهتمامه بمنطقة الرياض التي كان أميرا لها لفترة طويلة؛ لذلك فقد حدثت نقلات كبرى في عمل دارة الملك عبدالعزيز التي كانت قد تأسست بفكرة رائدة في عهد الملك فيصل عام 1392ه/1972م، و عاشت توسعاً في الاهتمام وتأصيلاً في العمل على توثيق ودراسة تاريخنا الوطني بعد تولي الملك سلمان لرئاسة مجلس إدارتها، ونتج عن ذلك ثقافة التوثيق والدراسة لتاريخنا الوطني عبر مراكز متخصصة في كافة مناطق المملكة، كما أنه زار جدة التاريخية مؤخراً عندما كان ولياً للعهد في بادرة أكيدة لاهتمامه بكل مكان أسهم في تاريخ وحدة هذه البلاد المباركة، وله علاقة وطيدة بشكل خاص بالدرعية، وبالتاريخ الوطني، والعمق الحضاري لهذه البلاد العريقة بامتداداتها، فإبان توليه إمارة الرياض كان حريصا أعزه الله على إعادة الدرعية للحياة منذ وقت مبكر بعد أن هجرها سكانها على إثر تدميرها في عام 1233ه جراء غزو خارجي استهدف الدولة الوليدة وما قامت عليه من قيم ورؤية. لقد بدأت فكرة تطوير الدرعية في عام 1406ه، وقد تم اقتراح عدد من المشاريع والأفكار منذ ذلك الوقت إلا أنها لم تنفذ حتى تم تشكيل لجنة لتطوير الدرعية عام 1417ه، فبعد حوار مع سيدي الملك سلمان -حفظه الله- أمير الرياض آنذاك، ونحن في السيارة متجهون إلى مناسبة في منزل أمير الدرعية (المحافظ) محمد الباهلي رحمه الله بحضور عدد من أهالي وأعيان الدرعية، فذكرته -يحفظه الله- ونحن في الطريق بطموحاته التي سمعتها منه باستعادة الدرعية لدورها التاريخي الرمزي على المستوى الوطني، وعمله الدؤوب خلال السنوات التي سبقت ذلك من أجل تحقيق هذا الهدف، فكلفني -أيده الله- برئاسة لجنة لدراسة تطوير الدرعية التاريخية اشترك في عضويتها كل من رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ووكيل وزارة المعارف المساعد للآثار (آنذاك) ورئيس بلدية الدرعية، وتلا ذلك زيارات متعددة قام بها -حفظه الله- للموقع خلال الأعوام التالية، حتى تشكيل لجنة عليا لتطوير الدرعية بالأمر السامي رقم 528/م وتاريخ 17/6/1419ه برئاسة أمير الرياض آنذاك الأمير سلمان بن عبدالعزيز، عملت على تنفيذ مشروع متكامل في إطار برنامج لإحياء الدرعية التاريخية، يهدف إلى استعادة التاريخ وإخراجه من بطون الكتب إلى «معايشة الواقع»، وهذه الخطوة كانت تتطلب نقلة نوعية في التعامل مع هذا الرمز الوطني المهم، والمواقع التاريخية المرتبطة بتاريخ بلادنا العريق، ووحدتنا الوطنية المباركة، والمنتشرة في شتى أصقاع بلادنا الشاسعة. الدرعية بما تشكله من رمزية وطنية وتاريخية، وما تعنيه للوحدة الوطنية التي انطلقت منها، هي في الوقت ذاته تعبر عن الحضور الإقليمي والدولي للمملكة، فهذه الدولة المحاطة بالتحديات من كل جهة، وذات الحضور الجغرافي والسياسي والإنساني، كما هي حالة الجزيرة العربية عبر التاريخ، تستنهض رموزها الوطنية للوقوف أمام هذه التحديات لتذكر مواطنيها بأن ثمن الوحدة وجمع الشمل والاستقرار والأمن الوطني غال ويجب علينا المحافظة عليه وتعزيزه. على المستوى الشخصي كنت مرتبطا منذ طفولتي بالدرعية وبوادي حنيفة، فقد كنت أزور المنطقة مع والدي -حفظه الله-، وكنت أرى بساطة الحياة والقصور الطينية في المزارع، فأحدث نفسي في تلك الأيام بأن هذه القصور سيكون لها أهمية كبيرة في المستقبل، وقد كبرت هذه الأفكار معي وصرت أكثر قناعة بعد ذلك بأن تلك المباني الطينية قد تكون الفضاء الأرحب الذي يمكن أن يؤصل الانتماء الوطني من خلال معايشة التاريخ، خصوصا تاريخ الوحدة الوطنية المباركة، وهو النموذج الذي ينطبق على كل بلدة ومبنى يزخر بالتاريخ على امتدادات بلادنا التي كل شبر فيها قصة عزة وفخر. لقد ازدادت قناعتي بأن الدرعية يجب أن تكون موقعا مسجلا ضمن مواقع التراث العالمي، حيث كتبت في ذلك للأمير سلمان أمير منطقة الرياض آنذاك وطلبت منه دعم فكرة تسجيل الدرعية كموقع تراث عالمي، وقد عملنا على تحقيق هذا الهدف منذ البداية. فمشروع التطوير لم يكن إلا بداية «تسجيل الدرعية» كأحد مواقع التراث العالمي في اليونسكو والذي تحقق ولله الحمد عام 2010م. بالنسبة لي فقد كنت أستشرف إمكانية تسجيل حي طريف كموقع تراث عالمي في اليونسكو، وكنت مؤمنا بإمكانية حدوث ذلك قبل تأسيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، لأن موقع الحي والدرعية الجغرافي على أطراف وادي حنيفة يجعله مكانا متميزا، وقربه من مدينة الرياض يجعله أحد المواقع الأساسية التي ستحظى بكثافة الزوار والرواد من المواطنين وغيرهم. كما أنني كنت على قناعة أن وادي حنيفة سيستعيد دوره التاريخي المهم وحيويته الاجتماعية، وهو ما حدث ولله الحمد بعزم من قائد هذه المسيرة الموفقة الملك سلمان. ولتحقيق هذا الهدف كان يجب العمل وفق خطة طويلة الأمد وتشكيل فريق قادر على تشخيص المشاكل ووضع الحلول لها، فقد رفعت إلى أمير الرياض آنذاك (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أعزه الله) بتاريخ 28/8/1417ه تقريرا عن الدرعية أؤكد فيه أن المشروع يعد «من الأمثلة المبكرة التي كانت مرتبطة بمخاوفي من فقداننا جزءاً كبيراً من تراثنا ومن ثم خسارتنا للمصدر الأساسي المهم الذي يمكن أن نجدد به شخصية بلادنا المعاصرة». وقد تضمن الخطاب تقريرا حول برنامج تطوير الدرعية أعدته اللجنة التي شكلها سمو أمير الرياض لدراسة الدرعية. وقد أكد التقرير على «أن برنامج التطوير المقترح ليس عبارة عن مجرد ترميم لآثار أو ذكر لمآثر أو حكاية لتاريخ، بل يتعدى ذلك كله ليعبر عن الجذور التاريخية لهذا الكيان من خلال ترسيخ مفهوم الانتماء إلى الدين الإسلامي وبذر روح المواطنة الصحيحة في الناشئة (التربية الوطنية في إطارها العملي)، وربطها بتراثها الحضاري والثقافي، وكذلك تأسيس فكر عمراني معاصر مستوحاة أصوله من التراث العمراني». وقد كان التأكيد هنا على مفهوم «الهوية والتعليم» أو ما يمكن أن أسميه «التربية المكانية والتاريخية» بحيث يمكن أن نصنع جيلا مرتبطا بوطنه من خلال معايشته لتاريخ وحدة بلاده، والتردد على المواقع التاريخية التي تعود إليها الحياة من جديد. لقد ركز تطوير الدرعية على مجموعة من الخصائص التي يمكن أن تسهم في تشكيل هوية هذه المدينة المهمة، مثل احتضانها للمنطقة الأثرية في حي الطريف الذي يحتوي على قصر الحكم ومؤسسات الدولة السعودية الأولى، كما أن الدعوة الإصلاحية انطلقت منها إلى باقي أرجاء الجزيرة العربية. ومع ذلك لم يكن الهدف هو تطوير الدرعية فقط بل كان من الضروري إيجاد مثال يحتذى لجميع المناطق التاريخية والتراثية في المملكة، فقد أكد تقرير تطوير وإحياء الدرعية على أنه من أجل إيجاد «صيغة للتكامل بين التراث بجميع جوانبه وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة فإنه يجب الاهتمام بالتراث ورعايته وتطويره وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال. وكذلك رصد المتغيرات السريعة التي واكبت التقدم عالميا ومحليا وأثر ذلك على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المملكة من خلال منظومة من الأنشطة المتعددة. ولرسم مثال يحتذى وإيجاد تجربة تقتفى في المواقع التاريخية في المناطق المختلفة وكيفية استثمارها»؛ لذلك فقد كان التركيز على إيجاد بيئة عمرانية مستدامة وتطوير مفهوم الاستثمار في مواقع التراث العمراني كتوجهات عامة يجب أن تحدد مساراتنا المستقبلية في تعاملنا مع التراث العمراني. والذي أعتقده هو أن هذه الأفكار كانت من الأطروحات المبكرة التي كانت تدعو لاستثمار المواقع التاريخية بدلا من المحافظة عليها «كمتاحف» فقط. الهدف هنا كان من أجل تقديم مثال «حي» يمكننا من تحويل مواقع التراث العمراني في بلادنا إلى مصدر اعتزاز وطني ذي قيمة اقتصادية عالية ومورد للاستثمار وفرص العمل للمواطنين، وكانت الدرعية هي البداية، فقد دعم حفظه الله عندما كان أميرا للرياض تأسيس شركة الضيافة التراثية، وكتب شخصيا لوزارة التعليم لتسليم المدرسة في حي سمحان الذي يطلق اليوم كأول فندق تراثي استثماري ترعاه هذه الشركة. من هذا المنطلق اقترح مشروع تطوير الدرعية مجموعة من المشاريع الحيوية تتضمن مشاريع تطويرية وبرامج ثقافية وتراثية وبيئية وأنشطة اقتصادية وترفيهية. كما تضمن كذلك برنامجا لدراسة العمارة والبناء بالطين وإنشاء مركز تدريب للحرفيين بحي البجيري يعنى «بالحرفيين التقليديين في مجال التراث العمراني؛ وذلك لتطوير قدراتهم وتوثيق تجاربهم وخبراتهم، ويعمل على بناء أجيال جديدة منهم وإيجاد فرص وظيفية لهم في مجال تخصصهم». كما أن المشروع أكد على أهمية بناء الهوية الوطنية من خلال تطوير برنامج للتربية الوطنية مرتبط بالمواقع التاريخية التي بناها وسكنها الآباء والأجداد الذين ساهموا في بناء هذا الوطن الشامخ في كل أرجاء بلادنا، بحيث يركز «هذا البرنامج على النواحي الثقافية والتاريخية للمنطقة.. ويمكن أن يتجاوز هذا البرنامج النطاق المحلي بحيث يتم تنفيذ برامج ومهرجانات ثقافية على المستوى الوطني أو العالمي»، وهذا ما تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار وشركاؤها من مؤسسات الدولة، ومنها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التعليم، ووزارة الثقافة والإعلام بالإضافة إلى المجتمعات المحلية في بلادنا العزيزة. والحقيقة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالدرعية بقيمتها الرمزية وارتباطها المباشر بالوحدة الوطنية كان لا بد أن تكون مركزا للإشعاع الديني والحضاري كونها منطلقاً لهذه الدولة المباركة التي قامت على العقيدة الصافية منذ التقاء الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمهما الله، وكنت في عام 1421ه منسقا للجنة إعادة بناء مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكانت فكرة إعادة بناء المسجد في حي البجيري إحدى الأفكار المهمة التي استشعرتها في ذلك الوقت من اهتمامه بالدعوة المباركة وما تمثله من أصل ديني مهم، ورمزية وطنية وثقافية فتقدمت لمقامه الكريم عام 1419ه بفكرة إنشاء مركز الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالدرعية، فوجه يحفظه الله بعقد اجتماع وحلقة نقاش بحضور سماحة المفتي ومعالي رئيس مجلس الشورى (وزير العدل حينها) ومعالي وزير الشؤون الإسلامية وعدد من أسرة آل الشيخ ومعالي أمين عام دارة الملك عبدالعزيز، وهو ما تم في نخيل العذيبات بالدرعية مساء الثلاثاء 5/11/1421ه واجتمع الرأي على استحسان فكرة المؤسسة فصدر توجيه الملك سلمان حفظه الله (أمير الرياض آنذاك) إلى محافظ الدرعية بتاريخ 15/8/1421ه بناء على خطاب رفعته بتاريخ 25/7/1421ه، تضمن نسخة من محضر الاجتماع الثاني للجنة إعادة بناء المسجد، يؤكد فيه تغيير اسم المشروع إلى «مركز الشيخ محمد بن عبدالوهاب». كما أذكر الرؤى السديدة التي يضفيها، يحفظه الله، وما تحمله من عمق فكري، ورمزية في المدلولات، بما يكسب هذا المشروع تفردا ورصانة في كل جزء منه، أنه عند اطلاعه يحفظه الله على الأفكار التصميمية لمشروع تطوير الدرعية، والمرتكز على تطوير حي الطريف الذي سكنه الإمام محمد بن سعود، رحمه الله، وحي البجيري الذي كان مقراً للشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، وجه بإنشاء جسر يربط الحيين يحمل اسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في إشارة للترابط بين الدعوة السلفية الصافية التي انتهجها الشيخ والنصرة التي حصلت لها من قبل قائد الدولة الناشئة حينها الإمام محمد بن سعود. إن هذه التحولات الكبيرة التي حدثت منذ أكثر من عشرين عاما نجني ثمارها اليوم، فها نحن نحتفي بإطلاق حي البجيري في حلته الجديدة التي ستجعل من الدرعية محطة ثقافية محلية وعالمية، وملاذا مهما لمن يريد أن يستعيد ذاكرة الوطن المكانية والسياسية. لقد كان الهدف وما زال هو المحافظة على الأمكنة التي تشكلت فيها الوحدة الوطنية المباركة وإحياؤها، وفي منطقة الرياض على وجه الخصوص، حيث تبرز مواقف سيدي خادم الحرمين الشريفين وحرصه كأمير للرياض على المحافظة على تراث المنطقة العمراني والثقافي خلال الأربعة عقود الأخيرة التي كان لها أبلغ الأثر في إحداث هذا التحول المهم. لقد كنت أستمد هذه الطاقة من والدي قائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أدام الله عزه، فهو لا ينفك يتكلم عن تاريخ الوطن وتراثه، ولا أتذكر يوماً في حياتي كطفل وشاب ورجل إلا وسمعته يتكلم باعتزاز عن تاريخنا المشرق المجيد. ولا بد هنا من الإشارة إلى اهتمام الملك سلمان الكبير بالرياض كمدينة، وفضاء طبيعي، لذلك فقد تضمنت مشاريع تطوير الرياض الاعتناء بوادي حنيفة وإعادة تطوير وسط الرياض، والمحافظة على مكوناته التاريخية، وهو ما نجنيه اليوم، حيث يشكل وادي حنيفة بكل مكوناته رئة تنفس وعنصرا بيئيا في وسط مدينة الرياض يصعب تكراره في أي مكان في العالم. في هذه الليلة تعود الدرعية نجماً في سماء فخرنا بعد أن اكتملت المرحلة الأولى من مشروع تطويرها وازدان واديها (وادي حنيفة) بعودة الحياة إليه فحصل على الجوائز الدولية كأحد أهم مشاريع التأهيل البيئي التي تم إنجازها على مستوى المنطقة والعالم. وأصبح للمدينة رئة طبيعية قريبة، وصار من الممكن أن تعبر عن إنسانيتها وعن جزء مهم من تراثها الطبيعي والعمراني، وأصبح لها نافذة يطل منها السكان والزائرون على تاريخ كله شرف وعزة. كما يحتاج إلى فهم عميق لتاريخها وخصائصها العمرانية التاريخية، والكيفية التي نشأت فيها داخل محيطها الطبيعي، والكيفية التي تطورت بها. واحتفاؤنا الليلة بالدرعية بحضور قائد البلاد المؤمن بأهمية التاريخ وحتمية العناية بالتراث، وأن التاريخ يجب أن يكون حاضراً في قلوب المواطنين و إنجازاتهم، وأنه لا مستقبل لأمة لا تولي تاريخها ما يستحق من عناية، وتستمد منه العبر والدروس، وأن ماضينا وتراثنا المجيد منطلق لحاضرنا ومستقبلنا، وأن رؤيته التي تتحقق اليوم في الدرعية ستتبعها قريباً مشاريع مماثلة في مواقع التاريخ الإسلامي التي أسست الهيئة العامة لها برنامجاً خاصاً للعناية بها، وكذلك الحال مع مواقع الآثار وشواهد العصر القديمة التي تحفظ أهمية موقع بلادنا في التاريخ الإنساني.. وبشائر لانطلاقات أقوى لمشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الذي سينقل مواقع التراث في كل مدينة وقرية إلى المكان اللائق بها. ما حدث في الدرعية وما يحدث على مستوى التراث الوطني لم يكن ليحدث لولا دعم قادة هذه البلاد، رحم الله من رحل منهم، وأطال في عمر الملك سلمان الذي يعد رجل المرحلة ورائد المشاريع ذات العلاقة بالهوية الوطنية، والانطلاق للمستقبل على هدى من الدين الحنيف والتراث العريق. وما تحقق في الدرعية من إعادة ربط للتاريخ بالمكان، وبعث للعلاقة بين القيم والبناء ليكونا وعاء للأنشطة التراثية والثقافية التي تسهم في ربط المواطنين بتاريخهم، واتصالهم بسلسلة القيم، ما تحقق في الدرعية اليوم سبقه ما أنجزه الملك سلمان في منطقة الملك عبدالعزيز التاريخية في وسط مدينة الرياض، وما سيحصل في أواسط مدن عدة من بلادنا ضمن مشروع كبير تعمل عليه الهيئة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية تضم مرحلته الأولى إعمار أواسط 16 مدينة في مناطق المملكة. وأخيراً لا يمكن أن أنسى دور أمراء منطقة الرياض ونوابهم على وجه الخصوص: الأمير سطام -رحمه الله- الذي تابع هذا المشروع في مراحل مهمة منه، وكانت له بصمة واضحة في مراحل انطلاق تنفيذه، وسانده في ذلك سمو نائبه الأمير محمد بن سعد، وتلاهما سمو الأمير خالد بن بندر، والأمير تركي بن عبدالله، اللذان تابعا المشروع، والآن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض المحنك، يبذل جهدا كبيرا على المستوى التنفيذي لتحقيق هذا الهدف الوطني المهم. * رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عضو اللجنة العليا لتطوير الدرعية